قبل وبعد اغتيال سليماني: أسرار الساعات الأكثر خطورة في تاريخ ترامب

صحيفة المراسل|تقارير:

كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعاني من أزمات داخلية أهمها اقتراب محاكمته بتهمة تشويه منافسه في الانتخابات جو بايدن بقضية الاتصال المعروفة مع الرئيس الأوكراني بالإضافة إلى تصويت مجلس النواب على قضية عزله بتهمة إساءة استخدام السلطة، كل ذلك كان يهدد مستقبله وحظوظه بالحصول على ولاية ثانية خلال الانتخابات الرئاسية التي ستجري هذا العام، علاوة على كونه معجب بذاته ويحب أن يظهر وكأنه الرئيس الشجاع الذي لم تشهد الولايات المتحدة رئيساً بشجاعته بسبب عقدته الشخصية من قوة شخصية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كل هذه الظروف مثّلت الظروف المثلى لوكالة المخابرات المركزية الـCIA التي اعتادت تضليل الرؤساء لدفعهم لاتخاذ قرارات بالحرب على دول أخرى ما تلبث الإدارات الأمريكية المتعاقبة أن تعترف بتعرضها للتضليل كما حدث بقضية سلاح الدمار الشامل التي قادت لغزو العراق قبل ان يتضح أن السي آي إيه قدمت معلومات مضللة للرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش الابن.

بعد أن اطمأن ترامب لحجم الرد الإيراني على اغتيال الجنرال سليماني خرج مفاخراً أمام مناصريه قائلاً “لقد قتلنا سليماني بكل برود”  غير أن ترامب كما يقول أحد الساسة الأمريكيين إلى 2016م لم يكن يعرف من هو سليماني وحين اتخذ قراره باغتياله لم يكن يعرفه أيضاً. إذن هل بالفعل كان ترامب هو من اتخذ القرار بالفعل أم أن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية هي من دفعته إلى ذلك ومن جعلته يشعر أن الاغتيال سيحافظ على حظوظه في الانتخابات القادمة؟

وكالة الاستخبارات المركزية استخدمت ترامب كأداة لاغتيال سليماني من خلال تضليله بمعلومات غير صحيحة

تجيب على هذا السؤال صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية التي نشرت تقريراً مطولاً بناء على تصريحات عشرات المسؤولين الأمريكيين السياسيين والعسكريين والأمنيين، غير أنها لا تجيب على السؤال بشكل مباشر لكن ما ورد على ألسنة أولئك المسؤولين يقود إلى حقيقة واحدة هي أن ترامب لم يكون سوى أداة بيد ما يمكن وصفها بـ”الدولة العميقة” ممثلة بالـCIA التي قدمت حقائق ومعلومات ثبت أنها كاذبة كما فعلت من قبل لكنها خاطبت ترامب بكل الطرق التي تقود لقرار واحد هو قرار الاغتيال، كمن يأتي ليقول لشخص إن هناك شخص آخر يريد قتله وبالتالي سيكون على الأول أن يسبق الآخر ويقوم هو بقتله وهنا لا يبدو أن الواشي قد دفعه مباشرة لقتل الآخر لكنه لم يترك أمامه خيار آخر سوى المسارعة لقتل الخصم دفاعاً عن النفس وفي نهاية المطاف يتضح أن القتيل لم يكن ينوي قتله وأن المعلومة التي قدمت كانت كاذبة، وهذا ما فعلته المخابرات الأمريكية مع ترامب لتدفعه لاتخاذ قرار اغتيال سليماني كما سيتضح جلياً في تقرير الصحيفة الأمريكية على لسان عشرات المسؤولين.

لكن تقرير صحيفة “نيويورك تايمز” قدم معلومات كاملة عن العملية وأسرارها حيث عنونت الصحيفة تقريرها بـ”اسرار الأيام السبعة قبل وبعد قتل سليماني” يكشف لأول مرة عن المسار الذي قاد تنفيذ الاغتيال وكذلك مخاوف الرئيس الأمريكي بعدها من رد الفعل الإيراني وسعيه إلى الوسطاء لاثناء إيران عن توجيه رد كبير وكذلك يكشف التقرير كيف اتضح عدم صحة المعلومات التي قدمتها سي آي إيه حول مخططات مزعومة لسليماني لمهاجمة أربع سفارات أمريكية.

 

لحظات حرجة قبيل اغتيال سليماني

تقدم الصحيفة معلومات تكشف لأول مرة عن تنفيذ عملية اغتيال سليماني وكيف اعتمدت الولايات المتحدة على شبكات من العملاء الذين جندتهم في سوريا والعراق.

بحسب الصحيفة الأمريكية، كانت الطائرة متأخرة وفريق الاغتيال كان قلقًا.  أظهرت القوائم الدولية أن رحلة طيران اجنحة الشام  6Q501  ، التي من المقرر أن تحمل سليماني وتقلع من دمشق في 7:30 مساء نحو بغداد ، قد غادرت، لكن في الواقع، أبلغ المخبر في مطار دمشق أن الطائرة لا تزال على الأرض ولم يظهر الراكب المستهدف.

مرت الساعات وتساءل بعض المشاركين في العملية عما إذا كان ينبغي إلغاؤها.

ثم، قبل إغلاق باب الطائرة مباشرة، وصلت قافلة من السيارات الى مدرج المطار تحمل اللواء قاسم سليماني، العقل المدبر للأمن في إيران، والذي صعد على متنها مع اثنين من المرافقين.

انطلقت الرحلة رقم 6Q501 بعد تأخير دام ثلاث ساعات متجهة إلى العاصمة العراقية.

هبطت الطائرة في مطار بغداد الدولي بعد منتصف الليل، في تمام الساعة 12:36 صباحًا، وكان أول من غادر الطائرة هو الجنرال سليماني والوفد المرافق له.  كان ينتظر في أسفل درج الطائرة أبو مهدي المهندس، نائب رئيس الحشد الشعبي العراقي.

توجهت سيارتان تحملان المجموعة ليلاً – تلاحقهما طائرات أميركية من طراز MQ-9 Reaper.

في الساعة 12:47 صدم أول صاروخ عدة سيارات، واشتعلت فيها النيران تاركا 10 جثث متفحمة بالداخل.

العملية التي أدت لاغتيال الجنرال سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الايراني، دفعت الولايات المتحدة إلى حافة الحرب مع إيران وأغرقت العالم في سبعة أيام من الشكوك المتصاعدة.

 

الساعات الأكثر خطورة في عهد ترامب

تصنف قصة تلك الأيام السبعة التي أعقبت اغتيال سليماني، والتخطيط السري في الأشهر التي سبقتها، الفصل الأكثر خطورة حتى الآن في السنوات الثلاث التي قضاها الرئيس ترامب في منصبه بعد قراره شن ضربة جريئة على إيران، ومحاولته عبر الحلفاء و  قناة خلفية للحفاظ على الأزمة التي تلت ذلك من الخروج عن السيطرة.

أثار قرار ترامب التصعيد مع ايران بعد عقود من الصراع الدائر دراما غير عادية في جميع أنحاء العالم، جرى الكثير منها وراء الكواليس.

في العواصم من أوروبا إلى الشرق الأوسط، سعى القادة والدبلوماسيون إلى تجنب حرب جديدة كاملة بينما في البيت الأبيض والبنتاغون، أمر الرئيس ومستشاريه بإرسال مزيد من القوات إلى المنطقة.

كان الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية يشعر بالقلق الشديد جراء ما حصل ليرسل أخاه إلى واشنطن لعقد اجتماع سري مع ترامب.

وسعى الزعماء الأوروبيون، الغاضبون من عدم اطلاعهم المسبق على ما جرى ،إلى اقناع إيران بعدم التصعيد.

الأيام السبعة التي أعقبت اغتيال قاسم سليماني تعتبر الفصل الأكثر خطورة في فترة حكم ترامب

في حال كان التصعيد هو الخيار الايراني، فقد طور الأمريكيون خططًا لضرب سفينة إيرانية خاصة بالقيادة والسيطرة والقيام بهجوم إلكتروني لتعطيل قطاع النفط والغاز الإيراني جزئيًا.لكن الولايات المتحدة أرسلت أيضاً رسائل سرية عبر وسطاء سويسريين يحثون فيها إيران على عدم الرد بقوة حتى لا يكون ترامب  مضطر للذهاب إلى أبعد من ذلك.

بعد الرد الايراني، بإطلاق 16 صاروخًا على قواعد تأوي الجنود الأمريكيين في العراق دون إلحاق الأذى بأي شخص باعتباره في عرض غير ضار نسبيًا للقوة، عادت رسالة (إيرانية) عبر السويسريين قبل فيها إنها ستكون نهاية الانتقام في الوقت الحالي.

الرسالة، التي أحيلت إلى واشنطن في غضون خمس دقائق بعد استلامها ، أقنعت الرئيس بالتوقف عن التصعيد.

عندما انتهى الأسبوع دون حرب خشي منها الكثيرون، تباهى ترامب بأنه قام بالقضاء على عدو أمريكي، لكن الصراع بين الشعبين لم ينته حقًا، فقد تجد إيران طرقًا أخرى للانتقام.  فقد يطرد القادة العراقيون القوات الأمريكية، ويحققون ما حاول الجنرال سليماني تحقيقه اثناء حياته وفشل.

وبالتزامن مع الضربة الإيرانية على قاعدة عين الأسد الأمريكية في العراق، تم تدمير طائرة ركاب مدنية أوكرانية بواسطة صاروخ إيراني، مما أسفر عن مقتل 176 شخصًا.

أعطى هذا الفصل ولفترة قصيرة حلفاء ترامب شيئًا يبعث على الفرح، مشتتًا الرأي العام عن محاكمة عزله في مجلس الشيوخ، لكنه يواجه الآن أسئلة حتى بين الجمهوريين حول التبريرات المتغيرة التي قدمها هو وفريق أمنه القومي للضربة.

لتبرير عملية الاغتيال أشار وزير الخارجية مايك بومبيو في البداية إلى ضرورة وقف أي هجوم “وشيك”، وقد ضاعف الرئيس من القول إن سليماني حاول استهداف أربع سفارات أمريكية.

لكن مسؤولي الإدارة قالوا إنهم لا يعرفون فعليًا متى أو أين يمكن أن يحدث هذا الهجوم، وقال مسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية إنه “من الخطأ” استخدام كلمة “وشيكة “.

وقد تفاجئ بعض القادة العسكريين الكبار بأن ترامب اختار ما  كانوا يعتبرون خيارًا متشددًا له عواقب غير متوقعة.

القصة الكاملة على لسان عشرات المسؤولين الأمريكيين

تقول صحيفة “نيويورك تايمز” أن قصة اغتيال سليماني وما قبلها وبعدها التي تقدمها في تقريرها  تأتي استنادًا إلى مقابلات مع عشرات من مسؤولي إدارة ترامب والضباط العسكريين والدبلوماسيين ومحللي الاستخبارات وغيرهم في الولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط،تقدم تفاصيل جديدة حول ما قد يكون أكثر الأيام السبعة التي لها تبعات لرئاسة ترامب.

خلال 18 شهرا طور الأمريكيون شعبة عملاء في 7 كيانات لرصد تحركات سليماني في سوريا والعراق

قد تكون المواجهة الأمريكية الإيرانية قد بدأت بالفعل عن طريق الصدفة.  عندما سقطت الصواريخ على قاعدة K1 العسكرية بالقرب من كركوك في 27 ديسمبر كانون الأول الماضي، مما أسفر عن مقتل مقاول مدني أمريكي من اصل عراقي، هو نورس وليد حميد، وإصابة أشخاص عدة آخرين، كانت المفاجأة الوحيدة هي الإصابات. وقد أطلقت كتائب حزب الله خمسة هجمات صاروخية أخرى على الأقل على قواعد مع الأميركيين في الشهر السابق دون نتائج قاتلة.

علم مسؤولو الاستخبارات الأمريكية الذين يراقبون الاتصالات بين كتائب حزب الله وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني بزعامة الجنرال سليماني أن الإيرانيين أرادوا مواصلة الضغط على الأمريكيين لكنهم لم يقصدوا تصعيد الصراع بل إبقائه على مستوى منخفض.

وقال المسؤولون الأمريكيون إن الصواريخ سقطت في مكان وفي وقت لم يكن فيه أفراد أمريكيون وعراقيون عادة هناك وكان من قبيل الصدفة أن يقتل حامد. لكن ذلك لم يكن مهمًا ترامب وفريقه. مات أميركي والرئيس الذي ألغى ضربة انتقامية قبل وقوعها بعشرة دقائق في يونيو، وامتنع عن القيام بعمل عسكري ردًا على الاستفزازات الإيرانية، اصبح امام خيار واحد وهو توجيه رد لإيران لكبح جماحها.

 

استهداف الحشد الشعبي

من خلال تصريحات المسؤولين الأمريكيين التي وردت في تقرير الصحيفة الأمريكية يظهر جلياً أن الولايات المتحدة ورئيسها كانوا يخشون التعرض لإيران بشكل مباشر رغم أنهم كانوا يرون ضرورة كبح جماحها لكن ذلك تم عبر الحلقة الأضعف وهي استهداف الحشد الشعبي في العراق والذي سبق عملية اقتحام السفارة الأمريكية في بغداد.

وفي هذا السياق تقول الصحيفة إنه في عطلة في مار لاجو، بمنتجعه بفلوريدا، وافق ترامب على ضرب خمسة مواقع في العراق وسوريا بعد يومين من مقتل الأمريكي، مما أسفر عن مقتل 25 عضوًا على الأقل من كتائب حزب الله وجرح 50 آخرين على الأقل.

بعد يومين، في 31 كانون الأول (ديسمبر)، رد المتظاهرون ، من أنصار الحشد الشعبي، باقتحام مجمع السفارة الأمريكية في بغداد وإشعال النيران في محيطها.

انطلاقًا من قلقه من تكرار عملية الاستيلاء على السفارة في إيران عام 1979 أو هجوم 2012 على مركز دبلوماسي في بنغازي بليبيا، امر ترامب وفريقه أكثر من 100 من مشاة البحرية بالتوجه إلى بغداد من الكويت.

تلقى مشاة البحرية معلومات قليلة حول مهمتهم أو ما كان يحدث على الأرض أثناء تحميل أسلحتهم بالذخيرة.  كل ما كانوا يعلمونه أنه تم إرسالهم لتأمين السفارة مع امر واضح واحد واضح: إذا دخل المحتجون إلى المجمع، اقتلوهم.

لكن عندما وصل المارينز إلى بغداد، لم يضطر أي منهم إلى إطلاق النار. استخدموا أسلحة غير مميتة مثل الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين وانتهى حصار السفارة دون إراقة دماء.

وفي 31 كانون الأول (ديسمبر)، حينما كان الاحتجاج في محيط السفارة في بدايته، بدأت مذكرة سرية للغاية بالتداول، وقّع عليها مستشار الأمن القومي روبرت أوبراين، وأدرجت أهدافاً محتملة، بما في ذلك منشأة طاقة إيرانية و سفينة سيطرة وقيادة يستخدمها الحرس الثوري لتوجيه قوارب صغيرة تضايق ناقلات النفط في المياه المحيطة بإيران.  كانت السفينة قد اثارت انزعاج الاميركيين لعدة أشهر، خاصة بعد سلسلة من الهجمات السرية على ناقلات النفط.

أدرجت المذكرة خيارًا أكثر استفزازًا – وهو استهدف مسؤولين إيرانيين محددين بالقتل بضربة عسكرية من بينهم  اللواء قاسم سليماني.

في الستين من عمره، بوجهه الضيق وشعره الرمادي ولحيته غير المتكاملة، اشتهر اللواء سليماني بالسفر دون دروع واقية أو حماية شخصية.

بعد عقود من العمل في الظل، برز الجنرال سليماني في السنوات الأخيرة بعد الربيع العربي والحرب مع داعش. ظهرت صور له وهو يزور الخطوط الأمامية في العراق أو سوريا أو يلتقي بالزعيم الإيراني الأعلى في طهران أو يجلس مع زعيم حزب الله حسن نصر الله في لبنان. بحلول نهاية عام 2019، كان بإمكان الجنرال سليماني أن يتفاخر بعدد من الإنجازات الإيرانية: كان الأسد، الحليف الإيراني القديم، في السلطة بسلام في دمشق ، عاصمة سوريا التي عاشت في حربًا أهلية دامية ، متعددة الجبهات، وأصبح لفيلق القدس وجود دائم على الحدود الإسرائيلية.

كما هُزِم تنظيم داعش  في سوريا والعراق، ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى القوات البرية التي كان يشرف عليها سليماني.

على مدار الثمانية عشر شهرًا الماضية، كما قال المسؤولون، كانت هناك مناقشات حول ما إذا كان سيتم استهداف الجنرال سليماني.

وبعد ان اكتشفوا أنه سيكون من الصعب للغاية استهدافه في إيران، فكر المسؤولون في ملاحقته خلال إحدى زياراته المتكررة إلى سوريا أو العراق وركزوا على تطوير شبكة عملاء في سبعة كيانات مختلفة للإبلاغ عن تحركاته هي الجيش السوري، فيلق القدس  في دمشق، حزب الله في دمشق، مطاري دمشق وبغداد وكتائب حزب الله وقوات الحشد الشعبي في العراق.

بحلول الوقت الذي تصاعدت فيه التوترات مع إيران في شهر مايو بالهجمات على أربع ناقلات نفط، طلب جون بولتون، مستشار الأمن القومي للرئيس آنذاك ، من الوكالات العسكرية والمخابراتية تقديم خيارات جديدة لردع إيران.  ومن بين الخيارات التي قدمت له كان قتل الجنرال سليماني وغيره من قادة الحرس الثوري في تلك المرحلة، ازدادت كثافة العمل لتعقب رحلات الجنرال سليماني.

بحلول سبتمبر، تم ضم القيادة المركزية للولايات المتحدة والقيادة المشتركة للعمليات الخاصة إلى إجراءات التخطيط لعملية محتملة.  نوقشت بدائل مختلفة، بعضها في سوريا، وبعضها في العراق.

قام العملاء الذين تم تجنيدهم في سوريا والعراق بالإبلاغ من وقت لآخر عن تحركات الجنرال سليماني، وفقًا لمسؤول مشارك.

انطلق الجنرال سليماني في رحلته الأخيرة في رأس السنة، متوجهاً إلى دمشق ثم توجه بالسيارة إلى لبنان للقاء السيد نصر الله، زعيم حزب الله، قبل العودة إلى دمشق في ذلك المساء.

خلال لقائه، قال السيد نصر الله في خطاب لاحق، حذر الجنرال سليماني من أن وسائل الإعلام الأمريكية تركز عليه وتنشر صورته.

قال السيد نصر الله “لقد كان هذا إعداداً إعلامياً وسياسياً لاغتياله”.

لكن كما يتذكر نصر الله، ضحك اللواء سليماني، وقال إنه في الواقع، كان يأمل أن يموت شهيدًا وطلب من السيد نصر الله أن يصلي حتى تتحقق أمنيته.

وتأكيداً على ما سبق الإشارة إليه من أن ترامب لم يكن سوى أداة استغلتها الـCIA يقول التقرير إنه في نفس اليوم ، في مقر المخابرات المركزية الاميركية في لانغلي بولاية فرجينيا، كانت مديرة الجهاز جينا هاسبل تعمل على تحقيق ذلك الدعاء، أي قتل سليماني.

عرض على هاسبل (كانت المسؤولة عن سجن أبو غريب في العراق الذي شهد انتهاكات جنسية مثلت فضيحة عالمية للقوات الأمريكية) معلومات استخبارية تشير إلى أن الجنرال سليماني كان يستعد للانتقال من سوريا إلى العراق. أخبرها المسؤولون أن هناك معلومات استخباراتية إضافية بأنه كان يعمل على هجوم واسع النطاق يهدف إلى طرد القوات الأمريكية من الشرق الأوسط.

الـCIA تصنع الكذبة الجديدة

سبق وأدت أكاذيب المخابرات الأمريكية لغزو العراق وليبيا وبنما وغيرها من الدول، وهنا يكشف تقرير الصحيفة الأمريكية أن السي آي إيه كانت تعد لكذبة جديدة قد تقود لحرب مع إيران، حيث يشير التقرير وفقاً لمسؤولين أمريكيين أنه لم يكن هناك معلومة استخبارية حاسمة عن ادعاءات تخطيط سليماني لهجمات واسعة، بل تحدث المسؤولون في CIA عن قصاصات متعددة من المعلومات التي جمعت تشير إلى أن الجنرال سليماني كان ينظم قوات بالوكالة في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك لبنان واليمن والعراق ، لمهاجمة السفارات والقواعد الأمريكية وقال العديد من المسؤولين إنهم لا يملكون معلومات ملموسة كافية لوصف هذا التهديد بأنه “وشيك”، على الرغم من تأكيد بومبيو، لكنهم رأوا نمطًا مقلقًا.

بينما ادعى  بومبيو لاحقًا أن مثل هذا الهجوم قد يقتل “المئات”، إلا أن مسؤولين آخرين قالوا بأن ليس لديهم معلومات استخباراتية محددة تشير إلى ذلك.  لقد تم تحصين معظم المنشآت الأمريكية في المنطقة بشدة لسنوات، ومن غير المرجح حدوث مثل هذا العدد الهائل من القتلى في أي وقت من الأوقات خلال العقدين الماضيين حتى خلال أسوأ حرب العراق، لم تتمكن أي قوات معادية من شن مثل هذا الهجوم المميت على الأمريكيين في وقت واحد.

المعلومات التي قدمتها الـ CIA لترامب من اجل دفعه لاغتيال قاسم سليماني كلها كاذبة

يضيف التقرير أنه ومع ذلك، فإن هاسبل كانت مقتنعة بوجود أدلة على وقوع هجوم قادم وقالت إن عواقب عدم التخلص من الجنرال سليماني أكثر خطورة من الانتظار.  وفي الوقت الذي كان فيه اخرون قلقين بشأن الأعمال الانتقامية، طمأنت هاسبل زملائها بأن رد إيران سيكون مقيدا.

كان هناك القليل من المعارضة حول قتل الجنرال سليماني من بين كبار مستشاري ترامب، لكن بعض المسؤولين في البنتاغون شعروا بالصدمة لأن الرئيس اختار ما اعتبروه الخيار الأكثر تطرفًا، وشعر بعض مسؤولي المخابرات بالقلق من أن التداعيات الطويلة الأجل المحتملة لم يتم النظر فيها بشكل كافٍ، لا سيما  إذا كان العمل على الأراضي العراقية قد يدفع العراق إلى طرد القوات الأمريكية.

وقال مارك بوليميروبولوس، احد كبار الضباط السابقين في CIA “قد يبدو أن الأمر برمته عشوائي دون تفكير”

قالت إدارة ترامب إن الجنرال سليماني كان متوجهاً إلى بغداد كجزء من مخطط للهجوم على السفارات، لكن هناك نظريات مختلفة حول الغرض من زيارته.

فقد لعب الجنرال سليماني منذ فترة طويلة دور الوسيط في السياسة العراقية، وقال سياسيان عراقيان لهما صلات بإيران إنه جاء إلى بغداد للمساعدة في كسر الجمود حول استبدال رئيس الوزراء بعد انهيار الحكومة في نوفمبر في مواجهة  الاحتجاجات .

لكن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، الذي لا يزال يعمل كرئيس وزراء لتسيير أعمال حتى تشكيل حكومة جديدة، أخبر البرلمان بعد الضربة الجوية بأن الجنرال سليماني كان لديه هدف آخر وهو جلب رد إيراني على عرض سعودي لتخفيف التوترات.

النتائج العكسية لاغتيال سليماني

يقول محمد عبيد، الناشط السياسي اللبناني الذي تربطه صلات بـ “محور المقاومة” الإيراني في المنطقة “كانت هناك حالة من التعبئة للاستعداد في حال كانت هذه هي المرحلة الأولى للاستهداف ضمن خطة أوسع”.  مضيفا “كان يمكن أن تكون هناك خطوات أخرى اتخذها الأمريكيون أو الإسرائيليون، لتوسيع دائرة المواجهة”.

كان ترامب يعتزم لعب الجولف في صباح اليوم التالي، 4 يناير، لكن المستشارين خلصوا إلى أنه سيرسل رسالة خاطئة لأن وفاة الجنرال سليماني أثارت الاضطرابات في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأثارت احتمال نشوب صراع أوسع مع إيران.

كان الرئيس ترمب متفائلًا في البداية، حيث توقع أن تُستقبل العملية بتصفيق يشبه إلى حد كبير استقبال الغارة التي وقعت في أكتوبر والتي قتلت زعيم داعش أبو بكر البغدادي.

في الواقع، افتتح ترامب بيانه الأول للصحفيين عن المهمة يوم الجمعة من خلال وصف الجنرال سليماني بأنه “الارهابي رقم واحد في أي مكان في العالم” وهي نفس الجملة التي افتتح بها بيانه قبل شهرين حينما وصف البغدادي بأنه” زعيم الإرهاب الأول في العالم “.

لكن بينما كان الرئيس يشاهد التلفاز في مطلع الأسبوع، غضب من أن النقاد يتهمونه بالتصعيد المتهور.

سعى ترمب إلى دعم من ضيوفه في نوادي فلوريدا التابعة له، وروي تفاصيل الاحتجاجات التي قامت في محيط سفارة الولايات المتحدة في بغداد.  وقد أخبر بعض ضيوفه أنه يريد الحفاظ على دعم الصقور الجمهوريين في مجلس الشيوخ في محاكمة الإقالة القادمة، ووصف السناتور توم كوتون من أركنساس كمثال، على الرغم من أنهم لم يتحدثوا عن إيران منذ ما قبل عيد الميلاد.

بينما قام ترامب بإبلاغ احد الصقور الجمهوريين السناتور ليندسي جراهام، الذي كان يزور ولاية فلوريدا، لم توجه إدارته أي تحذير مسبق إلى حلفائها الأوروبيين أو شركاء في الخليج قبل الضربة.  كان الزعيم الأجنبي الوحيد الذي ظهر انه مطلع هو رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، الذي تحدث إلى بومبيو قبل الهجوم وقدم تلميحاً علنيًا خفيفا قبل ساعات من حصول القتل.

بن سلمان شعر بقلق شديد جراء العملية وارسل أخاه لعقد جلسة سرية مع ترامب الذي أبلغهم أنه لن يصّعد

قال نتنياهو في تصريحات مرتجلة على مدرج المطار في تل أبيب قبل أن يغادر إلى أثينا “نحن نعلم أن منطقتنا عاصفة. واشياء دراماتيكية للغاية تحدث فيها”  وواصل الحديث عن تقديم الدعم للولايات المتحدة “ولحقها الكامل في الدفاع عن نفسها وعن مواطنيها.”

سُرّ القادة الإسرائيليون فيما بعد بوفاة أحد أعدائهم الأكثر خطورة الجنرال سليماني، لكنهم ظلوا صامتين خشية أن يستفزوا إيران للانتقام.

في الرياض، كان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، غير مستقر.   فعلى الرغم من مقاربته المتشددة تجاه إيران، فقد وافق مؤخراً على عروض مقدمة من الباكستانيين والعمانيين والعراقيين وغيرهم للتوسط.  الآن، أرسل على الفور شقيقه الأصغر، الأمير خالد بن سلمان، نائب وزير الدفاع، في مهمة طارئة إلى البيت الأبيض.

كان الأمير خالد مسروراً بكل ما قاله  ترامب ، حيث أخبر الدبلوماسيين بعد ذلك أن العائلة المالكة كانت سعيدة لأن الرئيس قد وجه ضربة قوية لإيران – وشعر بالارتياح لأنه لا يبدو أنه يميل إلى مزيد من التصعيد.

التزم الاسرائيليون الصمت تجاه عملية اغتيال سليماني خوفا من استفزاز إيران للانتقام

لكن الكثيرين لم يكونوا متأكدين. فقد أصدر ترامب تهديدات عدوانية بتدمير إيران إذا قامت بالرد، بما في ذلك استهداف الكنوز الثقافية في خطوة تنتهك القانون الدولي، وأثارت تصريحاته غضبًا دوليًا وأجبرت وزير دفاعه على نبذ التهديد علانيةً، قائلاً إنها ستكون جريمة حرب.

كان ترامب وحده إلى حد كبير على الساحة العالمية.

لم تعرب أي قوة أوروبية كبرى، ولا حتى بريطانيا، عن دعمها لغارة الطائرات بدون طيار التي قتلت سليماني ، حتى عندما اتفق القادة على قول إن يد الجنرال سليماني ملطخة بالدماء.

وكما أوضحت الصحيفة الفرنسية لوموند، فإن الصدع يشير إلى “مرحلة جديدة في الطلاق بين الولايات المتحدة وأوروبا بشأن الشرق الأوسط”.

 

كان انسحاب ترامب من الاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران نقطة خلاف رئيسية. استاء القادة الأوروبيون بشدة من الانسحاب أحادي الجانب، واعتبروا ذلك خطأً فادحًا أدى إلى بدء دورة من العقوبات والاتهامات التي أدت إلى المواجهة التي استمرت سبعة أيام وربما اكثر وإعادة تشغيل البرنامج النووي الإيراني.

عندما اتصل بومبيو بنظرائه الأوروبيين بعد الضربة، أعربوا عن قلقهم.

عرض كل من الفرنسيين واليابانيين أن يكونوا وسطاء ، لكن هذا أزعج ترامب الذي يكره الوسطاء، لذا ركز الأوروبيون على منع طهران من المبالغة في رد الفعل.

بعث دبلوماسي ألماني كبير رسالة نصية إلى نظيره الإيراني يحث فيها على الهدوء الرد عليها كان قصيرًا ومهذبًا. في سلسلة من المكالمات الهاتفية، حاول المسؤولون الأوروبيون إعطاء الإيرانيين إحساسًا بأنهم ليس في مواجهة مع بقية العالم، لكن في الواقع كان هناك مجتمع دولي اكبر من الولايات المتحدة، وفقًا لدبلوماسي أوروبي.

بعد الضربة الإيرانية للقواعد الأمريكية في العراق وبحلول الوقت الذي ذهب فيه ترامب إلى مقر إقامته خلال الليل، قال المستشارون، إنه شعر بالارتياح لعدم وجود إصابات وحريص على إعادة التموضع في مسار بعيد عن نزاع أعمق ونشر تغريدة مطمئنة: “كل شيء على ما يرام!”

في صباح اليوم التالي، ألقى ترامب خطابا للامة من البيت الأبيض، وبينما كان يشجب “حملة الإرهاب” الإيرانية، أوضح أنه لن يمضي في الانتقام.

الكونجرس: معلومات الـCIA مسرحية هزلية

في الكونجرس كانت الإحاطة التي قدمها المسؤولون الأمريكيون تؤكد مجدداً أن ما حدث لم يكن سوى نتيجة لعبة جديدة من لعبة التضليل التي اعتادت الـCIA ممارستها، فبعد انتهاء الأزمة، أرسل  ترامب كبار المسؤولين لإطلاع الكونغرس ، لكن الجلسات المغلقة في منشأة آمنة حيث كان على المشرعين تسليم هواتفهم مسبقًا، لم تفعل الكثير لتهدئة المخاوف بشأن مبررات غارة الطائرات بدون طيار التي قتلت سليماني.

في الإحاطة لمجلس النواب، قدم وزير الخارجية بومبيو مقدمة موجزة تلتها مداخلات من رئيسة الـCIA هاسبل  وإسبير ووزير الدفاع الجنرال ميلي وجوزيف ماجوير، مدير الاستخبارات الوطنية بالإنابة.

عرض الثلاثة جميعهم تأكيدات غامضة لكنها مؤكدة تشير إلى وجود تهديد وشيك من قبل الجنرال سليماني، وقال الجنرال ميلي إن الأدلة لا يمكن أن تكون أكثر وضوحًا وأنها كانت “أفضل المعلومات الاستخباراتية” التي شاهدها خلال حياته المهنية.

لكنهم رفضوا تقديم تفاصيل.

مسؤولون أمريكيون دحضوا المبررات التي قدمها بومبيو ووكالة الاستخبارات المركزية بشأن الهجمات الوشيكة على السفارات الأمريكية

قال أحد المشرعين إن المعلومات لم تكن أكثر سرية مما يمكن العثور عليه في ويكيبيديا.

قال الجنرال ميلي خلال الحوار ايضا إن المعلومات الاستخبارية أظهرت النقاش الذي أجراه الجنرال سليماني بشأن الهجمات الإرهابية المحتملة في ثلاثة تواريخ محددة في أواخر ديسمبر أو أوائل يناير.

“ما هي التهديدات؟” صرخ العديد من المشرعين الحاضرين، لكن الجنرال ميلي رفض الرد.

وأشار عضو آخر في مجلس النواب إلى أن التواريخ الثلاثة التي ذكرها الجنرال ميلي كانت جميعها قبل الهجوم على الجنرال سليماني ولم تقع أي هجمات بالفعل خلالها.

وقال النائب جيرالد كونولي الديمقراطي من فرجينيا: “ما حدث حقًا هو ازدراء والاحتقار للسلطة التشريعية” مضيفا “لم يتظاهروا بالمشاركة في تبادل المعلومات والتشاور”.

ووصف السناتور مايك لي، الجمهوري من ولاية يوتا ، جلسة أعضاء مجلس الشيوخ بأنها “ربما أسوأ إحاطة” خلال تسع سنوات من توليه منصبه.

وقال “لم نحصل على التفاصيل”. مضيفا “في كل مرة نحاول الحصول على شيء يقولون حسنًا لا يمكننا مناقشة ذلك هنا لأنه حساس.”

(344)

الأقسام: الاخبار,اهم الاخبار,تقارير المراسل,عاجل

Tags: ,,,,,,,,,,