بقلمي السلام والسلاح.. صنعاء ترسم ملامح المرحلة القادمة

المراسل: نوح جلّاس

أظهر الشعب اليمني قيادة وجيشاً وشعباً في السادس والعشرين من مارس الجاري، صورة مغايرة عن ما كان يتوقعه الجميع قبيل ست سنوات، حيث أوصلوا من مختلف مقاماتهم القيادية وقواعدهم الشعبية عدة رسائل لتحالف الحرب على اليمن المدعوم أمريكياً، أهمها أن استمرار الحرب والحصار لن يأتي بنتائج سوى التطوير المستمر في القدرات العسكرية، والتصلب المتواصل من قبل الشعب لمواجهة الحصار بالبحث عن البدائل، ليدرك “التحالف” أنه بإصراره على مواصلة حربه بعد ست سنوات لن يجني سوى يمناً قوياً مستقلاً متحرراً من “العقال” الخليجي الذي ظل مقيداً لليمن طيلة عقود مضت.

وقد بدت ملامح المرحلة الجديدة القادمة التي ينوي الشعب اليمني الدخول فيها بقوة، عند خطاب لقائد أنصار الله السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي الذي صنفه معظم المراقبين محلياً ودولياً بالخطاب التاريخي، حيث تعمد السيد الحوثي سرد كل تفاصيل الحرب منذ بدايتها، وواكب في خطابه كل المراحل التي مرت بها اليمن طيلة السنوات الست الماضية، حتى اختتم خطابه بجملة من الرسائل القوية والتي أوحت أكثر في آذان التحالف ووكلاءه بأن القادم سيكون عصياً في حال استمرت الحرب وبقي الحصار يفاقم معاناة اليمنيين.

قائد أنصار الله وكعادته أبدى الحرص على تحقيق السلام العادل للشعب اليمني الذي يضمن استقراره وسيادة أراضيه، في المقابل أكد للتحالف بأن استمرار الحرب والحصار يعني مضي اليمن قيادةً وشعباً  نحو المزيد من الخيارات الاستراتيجية الحاسمة والمؤثرة على مسارات واتجاهات الحرب.

وقال السيد عبدالملك الحوثي في نهاية خطابه، متحدثاً بالدرجة الأولى إلى تحالف الحرب والحصار “قادمون في العام السابع من موقع متقدم على مستوى التصنيع العسكري والتقدم الميداني والوعي الشعبي والزخم العسكري والإنجاز الأمني والصمود الاقتصادي والثبات السياسي والالتزام بالموقف الإيماني”، في تأكيد على أن المرحلة القادمة قد تشد تطوراً في الأداء اليمني على مختلف الأصعدة، سيما بعد ان استعاد الشعب جزءً كبيراً من عافيته، وبات معتاداً على تحمل الصدمات والظروف العصيبة التي يلجأ إلى خلقها “التحالف” كوسائل ضغط لتمرير الإملاءات.

وأضاف قائد أنصار الله في خطابه “قادمون في العام السابع بلا تراجع ولا يأس ولا إحباط، متقدمون إلى الأمام لإنجازات أكبر وانتصارات أعظم ونجاحات أكثر وثبات أقوى بإذن الله”، مختزلاً ما تبقى من رسائل هامة بـ”ضربة” عفوية على الطاولة كانت بمثابة الختم المؤكد على مصاديق وعوده للشعب ووعيده لتحالف الحرب على اليمن

وبما أن المتابعين لخطابات قائد أنصار الله في مناسبات “اليوم الوطني للصمود” – 26 مارس – قد اعتادوا منه على توجيه هكذا  رسائل وعد ووعيد، فإن تحالف الحرب الذي ظل متجاهلاً لوعود السيد الحوثي في كل الخطابات السابقة، بدى هذه المرة حذراً ومصغياً بشكل كبير لما طرحه قائد أنصار الله، حيث بات الإنصات السعودي واضحاً من خلال فتح قنوات اتصال جديدة مع صنعاء عبر مسقط للبحث عن مشاورات تؤول نحو وقف الحرب الذي معه تتوقف ضربات الرد اليمنية التي أنهكت الجانب السعودي على جميع المستويات.

وبعد أقل من 24 ساعة على خطاب قائد أنصار الله، خرج الشعب اليمني عصر الجمعة في عدة محافظات يمنية يحكمها المجلس السياسي الاعلى بمسيرات مليونية، سجل الشعب من خلالها حضوره في الموعد، وأكد استعداده للدخول في عام سابع من التصدي والتحدي بكل قوة، منتشياً بالقدرات العسكرية الكبيرة التي حققتها القوات المسلحة اليمني طيلة فترة الحرب والحصار، والتي باتت اوراق ضغط على “التحالف”، عكست المعادلة التي ظلت مخيمة لسنوات من الحرب.

ومن خلال التغطية الواسعة للمسيرات من قبل وسائل الإعلام الدولية – من بينها الأمريكية والأوروبية – فقد أوصل اليمنيون رسالتهم الواضحة والقوية، التي تواكب ما طرحه السيد عبدالملك الحوثي في خطابه الأخير، الأمر الذي قد يجعل من استمرار الحرب والحصار على اليمن واليمنيين محطة للتزود بقدرات إضافية على جميع المستويات.

ومن زاوية أخرى دخل رئيس المجلس السياسي الاعلى مهدي  المشاط خط التخاطب المباشر وغير المباشر مع تحالف الحرب والحصار، من خلال خطاب مساء الجمعة، استند على قوة الحضور الجماهيري اليمني في الساحات والميادين، وواكب الرسائل القوية للسيد عبدالملك الحوثي، بعبارات أظهر فيها الحرص الكبير على تحقيق السلام الرامي لإنصاف اليمنيين، وهنا رسالة مكتملة لصنعاء، مفادها “الإقبال القوي والفاعل والمؤثر على أي خيار في مساري الحرب والسلام”، واضعةً بذلك الكرة في ملعب التحالف السعودي الأمريكي الذي يبدو غير مستعد هذه المرة للدخول في فصل جديد من الحرب، سيما بعد أن اكتوى بنيرانها وبكثافة عالية من خلال الضربات الموجعة المتتالية على منشآته النفطية والحيوية، والتي كان آخر عشية السادس والعشرين من امارس بـ26 طائرة وصاروخ بالستي، أسمتها صنعاء بعملية “يوم الصمود الوطني”.

إلى ذلك خرج المتحدث الرسمي للقوات المسلحة اليمنية العميد يحيى سريع بتصريحات، توّجت سلسلة الرسائل شديدة اللهجة، وفتحت خط النار على تحالف الحرب والحصار، وجرت النظام السعودي إلى زاوية ضيقة خيار النجاة فيها وقف الحرب ورفع الحصار.

سريع أكد في تصريحات متلفزة أن “القوة الصاروخية اليمنية باتت تملك خبرات كبيرة ومتطورة وهي الآن تعكف على تطوير كل منظومة على حدة”.

وقال سريع “قد نلجأ لتوجيه ضربات قوية وموجعة لم يعهدها النظام السعودي من قبل ما لم يوقف عدوانه وحصاره”، في تأكيد على ثبات الموقف اليمني الذي كرره سريع عقب كل ضربه.

وأكد متحدث القوات المسلحة ان “الكرة الآن في ملعب النظام السعودي والعام السابع سيكون عام المفاجآت بالنسبة للعمليات العسكرية”.

ونوه إلى أن “العام السابع سيشهد الإعلان عن منظومات صاروخية جديدة”، موضحاً أن “بعض هذه المنظومات غير المعلن عنها تم تجريبه في الداخل وفي عمق دول العدوان”.

وخاطب سريع دول التحالف  “يكفي درس 6 سنوات وإن كان لديهم أموال فليرتكوها لأبناء بلدهم، نحن لا نشكل تهديدا عليهم بل استمرار العدوان هو ما يشكل الخطر عليهم”، متبعاً حديثه “نقول للعدوان أن ما صنعناه خلال ست سنوات سيتضاعف خلال عام واحد بإذن الله”.

وأكد ان “ما تلقته قوى العدوان من عمليات خلال 6 سنوات قد يتفاجؤون بمثلها وأكثر خلال عام واحد”، منوهاً إلى أن “عملية اليوم الوطني للصمود لن تكون سوى تدشينٍ للعام السابع في حال لم يتوقف العدوان ويُرفع الحصار”، وهي رسالة تكشف جانباً عن ملامح التوجه العسكري القادم لصنعاء في حال فشلت المفاوضات في مسقط بشأن رفع الحصار وتحييد الملفات الانسانية، وهنا يؤكد سريع ان “الحصار لا علاقة له مطلقا باستهداف القوات المسلحة بل باستهداف الشعب لإخضاعه كما هو حال الهجوم العسكري”، منوهاً إلى أن “الحصار عمل عسكري عدائي تتعامل معه القوات المسلحة على هذا الأساس ونحن في انتظار توجيهات القيادة بهذا الشأن”.

وفي ذات السياق يؤكد سريع أنه ومع توازي عمليات البناء اليمنية للقوات المسلحة يجري العمل بكثافة “على زيادة المخزون الاستراتيجي من سلاح الجو المسير وبمديات باتت قادرة على تنفيذ عمليات على طول وعرض جغرافية العدو وما بعدها”، وهي رسالة قوية تؤكد قدرة صنعاء على خوض معارك محلية وإقليمية بحثاً عن تحقيق السلام وإزاحة المعاناة التي يكابدها الشعب اليمني بفعل العدوان والحصار.

ومع التناغم الكبير في صفوف الشعب اليمني من رأس الهرم المتمثل في القيادة العامة، مروراً بالأجنحة العسكرية الفاعلة وصولاً إلى القاعدة الجماهيرية الشعبية الواسعة المؤيدة دوماً لخيارات القيادة، فإن صنعاء قد حددت ملامح المرحلة القادمة، في المقابل بات لزاماً على تحالف الحرب والحصار العزوف عن المعمعة المستمرة منذ ست سنوات، حيث صار من المسلم به أن استمرار الحرب والحصار سينعكس بكارثية على مرتكبيه، خصوصاً بعد تمكن أيادي صنعاء الطولى من قصف أكبر المنشآت الحيوية التي تمد العالم بالمشتقات، وتأكيدها على لسان عبدالسلام أنها لا تبالي بأهمية الأهداف في نظر العالم بقدر ما تهتم بمصالح الشعب اليمني ومعاناته، ليبقى الأمل الوحيد للنظام السعودي التشبث بأي حل سياسي تقبله صنعاء.

 

(35)

الأقسام: المراسل السياسي,المراسل العسكري,اهم الاخبار,تقارير المراسل