صافرة إنذار للسعودية.. استراتيجية الوجع الكبير لم تبدأ بعد

المراسل: أحمد داوود

تتصاعد وتيرة المواجهات العسكرية بين الجيش واللجان الشعبية من جهة والقوات الموالية للإصلاح وعبد ربه منصور هادي من جهة أخرى في مأرب وهي الجبهة الأكثر اشتعالاً  في الفترة الأخيرة باليمن، ومنها ستتغير معادلة الحرب.

التقدم بالنسبة لقوات صنعاء باتجاه المدينة يشكل هاجساً وخوفاً وقلقاً لقوى العدوان بقيادة السعودية كون صنعاء ستتمكن من الوصول إلى منابع النفط والغاز في هذه المدينة الاستراتيجية، الأمر الذي يمنحها الحصول على إيرادات كبيرة تستطيع من خلالها أن تغطي نفقات الحرب وتمكنهم من دفع رواتب الموظفين هذا على الصعيد الاقتصادي، أما على الصعيد العسكري فستمكنها من الانتقال إلى مواجهات أشمل وأوسع مع قوى العدوان لكن هذه المرة ليس في المحافظات الشمالية اليمنية وإنما في المحافظات الجنوبية والشرقية.

عموماً، لا تزال المعارك مشتعلة في مأرب والمسافة الفاصلة حالياً بين قوات صنعاء والمدينة لا تتجاوز 10 كيلو مترات، لكن التقدم الذي تحرزه قوات الجيش واللجان الشعبية مؤخراً هو  “بطيء”، مقارنة بالأشهر الماضية، وذلك يعود لأسباب كثيرة، منها اقتراب هذه القوات من الأحياء السكنية للمواطنين، وهو ما يصعب المعركة، لأن المعارك تنتقل من مساحات جغرافية واسعة وتضاريس جبلية وعرة إلى صحراء مفتوحة ومباني سكنية للمدنيين، ما يجعل الطريق شاقاً والمرور صعباً نوعاً ما.

معضلة أخرى تواجه قوات صنعاء تكمن في لجوء قوى العدوان والمرتزقة في استخدام النازحين كدروع بشرية، حيث يتم نشر  عدد من مخيمات النازحين على مداخل المدينة، ثم تروج وسائل الإعلام التابعة للعدوان بأن “الحوثيين” يستهدفون مخيمات النازحين والأحياء السكنية، في بكائية دأبوا عليها منذ أيام في محاولة لإنقاذ المدينة من الزحف المتواصل لصنعاء باتجاه مدينة مأرب.

بالنسبة لمسار  التقدم العسكري لقوات صنعاء، فإنه ينشط في الجهة الغربية لمدينة مأرب، ويلاحظ أن هذه القوات تخطط للوصول إلى المنطقة العسكرية الثالثة بمأرب، وإلى معسكر “صحن الجن” الذي يعد أكبر حاضنة عسكرية لقوى العدوان في مأرب، ومن شأن السيطرة عليه أن تسهل لقوات صنعاء الدخول إلى عمق مدينة مأرب بكل أريحية.

ومن المسارات التي تحرص قوات صنعاء على تحقيقها في معركة مأرب، هو التقدم من الجهة الشمالية للمدينة، فقد سيطرت هذه القوات مؤخراً على منطقة “حويشان” بالكامل، وتستمر في التقدم شرق صحراء الجوف باتجاه خط الوديعة وذلك بهدف قطع خط الإمداد للمرتزقة القادمين من السعودية إلى مأرب، ليتم إطباق الحصار الكامل على المدينة من جميع الاتجاهات.

 

أكثر من ألفي غارة في 3 أشهر

وأمام كل تقدم تحرزه قوات صنعاء في مأرب أو صحراء الجوف يتدخل طيران العدوان بقيادة السعودية لإفساد فرحة الانتصار، ومحاولاً إعاقة أي تقدم لهذه القوات، غير أن تلك الغارات لا تحقق فائدة تذكر سوى بالتأخير في عملية التقدم، حيث يظل أبطال الجيش واللجان الشعبية محافظين على أي مكسب عسكري، مفشلين كل محاولات الطيران لإعادتهم إلى الوراء،  ولهذا فقد نفذ الطيران منذ مطلع العام الجاري أكثر من ألفي غارة بحسب المركز الإعلامي لمحافظة مأرب.

وعلى الرغم من هذا العدد الكبير إلا أن قوات صنعاء تمكنت من إحباطها جميعاً والمضي في تحقيق الانتصارات على الميدان.

ولأن طيران العدوان يسرف في غاراته، فقد كان لزاماً على صنعاء أن ترد بالمثل، ولهذا تصاعدت وتيرة استهداف العمق السعودي بالطيران المسير والصواريخ الباليستية، وكان آخرها يوم الخميس الماضي حين تم استهداف العاصمة السعودية بأربع طائرات مسيرة استهدفت مواقع هامة وحساسة لم يحددها المتحدث باسم القوات المسلحة التابعة لصنعاء العميد الركن يحيى سريع.

 

هذا التصاعد في الرد يمثل رسالة للسعودية بأن اليمنيين لن يظلوا مكتوفي الأيدي تجاه حماقات طيران العدوان وتدخلها السافر في استهداف اليمن ولا سيما في مأرب، وأن قصف قاعدة الملك خالد الجوية في خميس مشيط ومطار أبها وكل المواقع السعودية بما فيها رأس التنورة هو حق مشروع لليمن وطبيعي إذ أن اليمنيين يدافعون عن أنفسهم ضد هذه الاعتداءات السافرة من قبل السعودية، ثم أن ما يميز هذا الاستهداف هو عجز منظومات الدفاع الجوي “باتريوت” الأمريكية في التصدي لها أو اكتشافها، ما يجعل كل أجواء المملكة مستباحة للطيران اليمني المسير والصواريخ البالستية، وبالتالي فإن صنعاء تمكنت من فرض معادلتها “الرد بالمثل”.

لكن  ما تخشاه السعودية هو أن صنعاء لم تصل حتى الآن إلى ذروة نشاطها في الاستهداف لعمقها، إذ لا يزال في جعبتها الكثير والكثير، وهنا يؤكد وزير الدفاع بحكومة صنعاء اللواء محمد ناصر العاطفي في حواره الأخير مع قناة المسيرة الجمعة 2 أبريل نيسان 2021  بقوله : “خيارات العدوان بدأت تضيق، وخياراتنا تتسع، وأمامنا استراتيجية “الوجع الكبير” ونحن على أتم الاستعداد لتنفيذها فور صدور التعليمات من القيادة”.

ويفهم من كلام وزير الدفاع بأن المرحلة القادمة ستكون عصيبة على السعودية وأن صنعاء لم تبدأ خياراتها الكبيرة بعد.

وللتأكيد على هذه الفرضية يقول وزير الدفاع العاطفي :”نملك المعلومات والإحداثيات التي تمكنا من هز كيان العدوان، ولتغضب الرياض وواشنطن وتل أبيب”.

وتأتي هذه التهديدات في ظل عدم وجود مؤشرات لنجاح المفاوضات السياسية التي تتم في مسقط عاصمة عمان منذ أسابيع، وفيها تحاول أمريكا والسعودية والأمم المتحدة المقايضة بالملف الإنساني مقابل ما يجري من تطورات عسكرية وهو ما ترفضه صنعاء جملة وتفصيلاً.

ويؤكد جميع المسؤولين في صنعاء على تمسكهم بفصل الملف الإنساني على الملفات العسكرية والسياسية وأنه (لا سلام إلا بإنهاء العدوان والحصار بشكل كامل)، وهو موقف متصلب للمفاوضين اليمنيين بمسقط أمام المبعوث الأمريكي إلى اليمن ثيموني ليندركينغ والمبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث.

على الصعيد الاقتصادي والإنساني، تعتقد دول العدوان أن تشديد الحصار على اليمنيين ومنع دخول سفن الوقود إلى ميناء الحديدة سيجبر صنعاء على تقديم المزيد من التنازلات في الجانب العسكري ويجعلهم يتراجعون عن التقدم صوب مأرب، لكن الموقف لصنعاء متصلب جداً وكل المؤشرات تدل على أن تحرير مأرب قرار قد اتخذتها صنعاء ولا رجعة عنة.

وإذا كانت مفاوضات مسقط تراوح مكانها، ولم يتم إحراز تقدم يذكر في مسألتين هامتين للشعب اليمني هما إعادة فتح مطار صنعاء الدولي أمام الرحلات الجوية والسماح بدخول سفن الوقود إلى ميناء الحديدة فإن من المتوقع أن نشهد خلال المرحلة المقبلة عاصفة رد موجعة من قبل صنعاء على استمرار الحصار ، وقد تكون أوسع وأشمل وأشنع على النظام السعودي، بهدف إجباره على النزول من الشجرة والتخلي عن عناده بالاستمرار في قصف اليمن وإحكام الحصار عليه، وترك اليمنيين يحلون مشاكلهم بأنفسهم.

(46)

الأقسام: المراسل السياسي,المراسل العسكري,تقارير المراسل