صنعاء تنذر التحالف بجهوزيتها العسكرية إذا لم ينفذ “جميع الالتزامات” نهاية “الهدنة”.. احتمالات “التمديد” ضئيلة

 

مناقشات عمان تكشف عن إصرار سعودي على تسيسس وعسكرة الملف الإنساني

ملامح محاولات ضغط غربية جديدة على صنعاء تحت عنوان “السلام”

 

 

المراسل: ضرار الطيب

 

 

على مسافة أيام قليلة من انتهاء فترة الهدنة المعلنة بين صنعاء وقيادة التحالف السعودي الإماراتي، تقل احتمالات “التمديد” بشكل متواصل، لصالح احتمالات “التصعيد”، على الأقل وفقا لمعايير التقييم التي أعلنتها صنعاء، والمتمثلة بتنفيذ “كافة التزامات” الاتفاق، حيث لا زال الجزء الأكبر من الرحلات الجوية المتفق على تسييرها من وإلى مطار صنعاء مجهول المصير، ولا زالت سفن الوقود تتعرض للاحتجاز، فيما تتصاعد الخروقات وتتمدد إلى أجواء العاصمة صنعاء نفسها، وإذا كان التحالف يسعى أن يكسب المزيد من الوقت بحجة “تعويض” الاستحقاقات المتأخرة، فليست هناك مؤشرات على ذلك أو حتى على إمكانية قبول صنعاء به، الأمر الذي يجعل الفرصة الوحيدة المتبقية للحفاظ على التهدئة هي تقديم عرض جديدة بـ”شروط محسنة”.

إيذانا بنهاية فترة الهدنة التي تم التوقيع عليها مطلع أبريل الفائت، عقد رئيس المجلس السياسي الأعلى في صنعاء مهدي المشاط اجتماعا عسكريا لـ”تقييم التزام التحالف بالاتفاق”، وبالرغم أن التقييم النهائي لم يعلن، إلا أن المشاط قال ما يكفي للكشف عن “سلبية” هذا التقييم، إذ أكد أنه “إذا لم تف دول العدوان بكافة الالتزامات فإن القوات المسلحة جاهزة لأداء واجباتها”.

إنذار اعتبره العديد من المراقبين رسالة واضحة ومباشرة تفيد بأن صنعاء لن توافق على تمديد الهدنة، وأن احتمالات العودة إلى “تأديب” التحالف باتت هي الأكبر.

وبغض النظر عن دقة هذا الاستنتاج، يبقى الثابت هو أن فرص نجاح اتفاق الهدنة المعلن منذ شهرين، قد باتت معدومة.

مع ذلك لا يمكن القول إن صنعاء قد أغلقت الباب بشكل نهائي، فتصريحاتها خلال الأيام الماضية تضمنت حديثا عن “شروط محسنة” يمكن أن يتدارك بها التحالف موقفه ويكسب فرصة لتمديد التهدئة، وهذه الشروط تتضمن بحسب تصريحات سابقة التزام دول التحالف والأمم المتحدة بدفع الرواتب ووضع معالجات لمشكلة نقل البنك المركزي، ومن المرجح أيضا ان تتضمن رفع المزيد من القيود المفروضة على مطار صنعاء وميناء الحديدة، إضافة إلى معالجة ملف الأسرى.

شروط لا يبدي التحالف حتى الآن أي نية على التعاطي معها أو الاقتراب منها، وهو الذي لا زال يبرر رفضه تنفيذ بنود الاتفاق الحالي، بل ويحاول مواصلة استغلال هذا الاتفاق لكسب المزيد من الوقت والضغط على صنعاء.

هذا ما يؤكده على الأقل موقفه في المناقشات التي انطلقت مؤخرا في العاصمة الأردنية عمان برعاية الأمم المتحدة من أجل فتح الطرق المغلقة في المحافظات، وفقا لاتفاق الهدنة، حيث قدم فريق صنعاء مبادرات لفتح عدة طرق في محافظات تعز ومأرب والضالع، لكن وفد أتباع التحالف رفض تلك المبادرات وأصر على فتح طريق “الحوبان -جولة القصر” في محافظة تعز فقط، مهددا بالانسحاب إذا لم تنفذ صنعاء مطلبه.

هذا الموقف المتعنت أدى إلى فضيحة واسعة، لأن المعلومات كشفت لاحقا أن صنعاء عرضت فتح ثلاث طرق مهمة في تعز من شأنها أن تعفي المواطنين من تكبد عناء السفر الطويل للوصول إلى المدينة، وبشهادة من نشطاء موالين للتحالف، كما عرضت إعطاء الأولوية للمحافظة مقابل التزام الطرف الآخر بعدم استخدام الطرق لأغراض عسكرية، لكنه رفض، الأمر الذي أسقط دعاية “حصار تعز” وكشف بوضوح أن وفد “الإصلاح” يريد فقط استغلال الهدنة لضمان مكسب عسكري متمثل بالحصول على فرصة للتقدم صوب “الحوبان”، كما فعل في مرات سابقة حين استغل اتفاقات مشابهة للغدر بقوات صنعاء بحسب تعبير عضو وفدها المفاوض عبد الملك العجري.

الجانب الآخر من الفضيحة كان أن التحالف وأتباعه أظهروا لا مبالاة واضحة بمعاناة المواطنين في بقية المحافظات وعلى رأسها مأرب التي أصبح الوصول إلى مدينتها يتطلب 20 ساعة بدلا عن 20 دقيقة بسبب إغلاق الطرق الرئيسية إليها من قبل مليشيات “الإصلاح”، وعلى رأسها طريق “الفلج”.

وبالتالي فإن حسابات التحالف لا تتضمن أي “تحسين” للشروط الإنسانية والاقتصادية، بل يمكن القول إنه يحاول استغلال البنود الذي رفض تنفيذها لكسب المزيد من الوقت للتحايل على صنعاء وإغراقها في المزيد من التفاصيل التي هدفها الأول والأخير هو استخدام أوراق الملف الإنساني (المحدودة جدا) للمساومة والضغط والالتفاف على موقف صنعاء الثابت، وهو الأمر الذي تبدو الأمم المتحدة منفتحة عليه بالكامل.

المؤشرات القادمة من جانب الولايات المتحدة تدعم هذا التوجه، حيث عاد المبعوث الأمريكي إلى اليمن تيم ليندركينغ، إلى نشاطه في حشد مواقف دولية للضغط على صنعاء تحت دعاية “الدفع نحو السلام” وذلك بعد فترة قصيرة من زيارة خالد بن سلمان لواشنطن وحديثه عن ضرورة ممارسة ضغوط دولية.

وبحسب تصريح جديد للمبعوث الأمريكي خلال لقاءه مع سفير فرنسا في الولايات المتحدة فإن عنوان هذه الضغوط سيكون “تحويل الهدنة إلى عملية سلام” الأمر الذي يعني أن التحالف قد يقدم في النهاية عرضا جديدا ربما تبدو شروطه الإنسانية والاقتصادية “محسنة” لكنه سيطلب بالمقابل تنازلات عسكرية وسياسية مجحفة من جانب صنعاء، حيث ستركز الضغوط على محاولة دفع صنعاء للقبول بهذه “المقايضة” وإظهار رفضها كعرقلة للسلام.

هكذا، فإن احتمالات تمديد الهدنة تبدو من هذه الزاوية أيضا شبه معدومة.

لكن الحديث عن العروض التي قد تطرح على الطاولة لن يكون كاملا حتى انتهاء الهدنة (بعد أيام قليلة)، حيث من المتوقع أن تمر فترة قبل الإعلان عن أي عرض أو تمديد بالنظر إلى التقييم السلبي للاتفاق الحالي، وهي فترة من المرجح أن يقدم فيها التحالف وأتباعه -كالعادة- على القيام بتحركات عسكرية ضد قوات صنعاء، الأمر الذي سيحاول التحالف التغطية عليه بهجمة إعلامية واسعة تتزامن مع اتهامات لصنعاء، مكررا بذلك خطأ التعويل على الضغط والابتزاز، وهو الخطأ الذي سيرتد عليه سريعا بمفاجآت كبيرة وصادمة.

في المحصلة: كل السيناريوهات التي يمكن رسمها بناء على معطيات الواقع الراهن تنتهي بعودة التصعيد العسكري بين طرفي المواجهة (سيناريو عودة التحالف إلى الصواب لا تدعمه أية مؤشرات)، وحتى احتمالات الدخول في مرحلة تهدئة جديدة، على ضآلتها، لا تعني بالضرورة عدم عودة التصعيد مرة أخرى، لأنه لا وجود لأية “رغبة” لدى التحالف في إنهاء الصراع ومعالجة الملف الإنساني بالشكل المطلوب، وهذه الحقيقة بالذات هي ما يرجح عدم التمديد، لأن الحجة المطلوب إقامتها من الهدنة قد أقيمت، والذهاب نحو جولة “لا سلام ولا حرب” أخرى الآن، لا تنسجم مع أبجديات موقف صنعاء، وخياراتها المتاحة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

(2)

الأقسام: الاخبار,المراسل العام,تقارير المراسل