آلية عمل العقوبات الأمريكية: قرار مع خشية التنفيذ

المراسل| إبراهيم السراجي:

بدأ سريان القرار الأمريكي بتصنيف جماعة أنصار الله في اليمن في 16 فبراير، في خطوة أرادت من خلالها الولايات المتحدة الأمريكية تحويل الأنظار عن فشلها التاريخي في وقف الهجمات اليمنية على السفن الإسرائيلية في البحرين الأحمر والعربي، غير أن آلية عمل القرار التي نشرها مكتب مراقبة الأصول الأمريكي، يوحي إلى حد ما أن الولايات المتحدة، في الوقت الحالي، لا ترمي إلى تعميق حربها مع أنصار الله كون الأخيرة ما تزال تملك من نقاط وأوراق القوة ما يمكن أن يسبب مشكلة أكبر للملاحة الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية على حد سواء، ليس أكبرها التحول إلى تغيير استراتيجية استهداف السفن الإسرائيلية والأمريكية بهدف منع عبورها لتصبح العمليات بهدف إغراق تلك السفن، فما تزال قوات صنعاء إلى حد الآن تستخدم أسلحة تعمد إلى الإضرار بتلك السفن وإجبارها على التراجع ولم تستخدم ما تملك من أسلحة قادرة على إغراق السفن وتحقيق خسائر قاسية لن يقوى الاقتصادان الأمريكي والإسرائيلي على تحملها.

وقد أصدر مكتب مراقبة الأصول الأمريكي منشورا -حصلت صحيفة المراسل على نسخة منه- يوضح بشكل متكامل آلية عمل العقوبات المصاحبة لقرار تصنيف أنصار الله كـ”جماعة إرهابية” والتي امتلأت بالاستثناءات التي تجعل من الوضع العام تجاريا وماليا في اليمن لا يختلف عمّا هو عليه منذ بدء الحصار والحرب التي قادها التحالف السعودي في مارس 2015، وهو ما يقود إلى القول إن الولايات المتحدة ما تزال تخشى الانزلاق إلى حرب مفتوحة مع أنصار الله وقوات صنعاء الذين بات موقفهم محل تقدير على المستوى العربي والإسلامي والعالمي المرتبط بالعمليات التي تهدف لوقف حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية، فقد كان واضحاً أن واشنطن باتت في عزلة لم تشعر بها من قبل عندما حاولت ضم أكبر عدد من الدول إلى تحالفها في البحر الأحمر ولاقت عزوفا لافتاً من دول أوروبا التي تعد أبرز حلفائها ناهيك عن التحركات الروسية والصينية في مجلس الأمن التي تقاوم أي محاولة لشرعنة الاعتداءات الأمريكية البريطانية في اليمن ولذلك كان مفاجئاً للولايات المتحدة حجم الإدانات والرفض لعملياتها ضد اليمن التي بدأت في 11 يناير بغارات جوية بمشاركة بريطانيا، حتى أن الإدانات والرفض لتلك الهجمات وصلت إلى دول حليفة لأمريكا بل وبعضها ما يزال نظريا في حالة حرب ضد قوات صنعاء مثل السعودية أو الكويت ومصر وغيرها من الدول المنضوية ولو إسميا في التحالف السعودي.

كانت المخاوف بشأن القرار الأمريكي تتعلق بما إذا كان تأثيره سيمتد إلى فرض قيود على حركة التجارة وخصوصاً في موانئ الحديدة وما إذا كان سيفرض مزيداً من القيود على الحركة المالية التي تفتقد منذ 2015 لنظام سويفت للتحويلات المالية العالمية والذي استطاعت حكومة صنعاء تجاوزه وإيجاد بدائل، غير أن منشور مكتب مراقبة الأصول الأمريكي أظهر أنه تم استثناء ذلك من القرار الأمريكي وفي التالي مجموعة من التوضيحات التي وردت في المنشور الأمريكي على شكل أسئلة وأجوبة:

هل يمكن للجهات التجارية والجماعات الإنسانية والمنظمات الأخرى الاستمرار في استيراد السلع التجارية، بما في ذلك المواد الغذائية والإمدادات الإنسانية، إلى اليمن؟
نعم؛ ولا يخضع اليمن لعقوبات واسعة النطاق تستند إلى الولاية القضائية. ونتيجة لذلك، فإن المنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية والشركات التجارية ليست محظورة بشكل عام من استيراد الإمدادات الإنسانية إلى البلاد.

كما يسمح الترخيص العام رقم 26 ببعض المعاملات المتعلقة بأنصار الله والتي تحدث عادةً والضرورية للعمليات أو استيراد أو تصدير البضائع أو عبور الركاب عبر الموانئ والمطارات في اليمن. بالإضافة إلى ذلك، يسمح الترخيص العام رقم 22 ببعض المعاملات المتعلقة بأنصار الله والتي تكون عادةً عرضية وضرورية لتوفير (بما في ذلك بيع) بعض السلع الزراعية والأدوية والأجهزة الطبية للأشخاص في اليمن، أو للأشخاص في بلدان ثالثة الذين يشترون خصيصا لتوفير اليمن.

هل يمكن للمنظمات شراء الوقود للاستخدام الشخصي أو التجاري أو الإنساني؟
نعم؛ ولا يخضع اليمن لعقوبات واسعة النطاق على أساس الولاية القضائية. إلى الحد الذي تنطوي فيه واردات الوقود إلى اليمن أو مشتريات الوقود الأخرى على دفع الضرائب أو الرسوم أو رسوم الاستيراد أو شراء أو استلام التصاريح أو التراخيص أو خدمات المرافق العامة لمعاملة تشمل أنصار الله أو أي كيان فيه يمتلك أنصار الله -بشكل مباشر أو غير مباشر- حصة بنسبة 50 في المائة أو أكثر، ويسمح الترخيص العام 25 بدفع مثل هذه البنود التي تحدث عادة والضرورية لشراء الوقود.

بعد أن تم تصنيف أنصار الله، هل تم حظر جميع المعاملات والأنشطة في المناطق التي يسيطر عليها أنصار الله في اليمن؟
لا، فاليمن لا يخضع لعقوبات واسعة النطاق على أساس الولاية القضائية. بمعنى آخر، لم تفرض الحكومة الأمريكية عقوبات على الدولة اليمنية أو على مناطق محددة داخل اليمن.

كانت تلك بعض الأسئلة والأجوبة التي وردت في منشور مكتب مراقبة الأصول الأمريكي في ما يتعلق بآلية عمل قرار التصنيف، والذي يبدو بشكل واضح أنه تمت صياغته ليقلل على نحو كبير من أي تداعيات قاسية قد تورط الولايات المتحدة في مستنقع صراع مفتوح مع حكومة وقوات صنعاء وكي لا تندفع الأخيرة إلى عمليات قاسية ضد المصالح الأمريكية بعدما باتت تمسك بزمام المبادرة في البحرين الأحمر والعربي وصولاً إلى المحيط الهندي، فرغم أن عمليات قوات صنعاء ضد السفن الأمريكية رداً على الغارات ما تزال تحافظ على نطاق المنع والإضرار ولكن ليس الإغراق إلا أن تلك العمليات رغم محدودية نطاقها قد تسببت في اضطراب سلاسل التوريد في السوق الأمريكي بما فيها المتعلقة بالشركات التكنولوجية وصناعة السيارات حيث على سبيل المثال، تأثرت شركة تسلا لصناعة السيارات الكهربائية وتكبدت خسائر بمليارات الدولارات نتيجة تأخر شحنات المدخلات التي تستوردها من الخارج أو امتناع شركات الشحن عن تسيير السفن إلى أمريكا عبر البحر الأحمر خشية تعرضها لهجوم يمني رداً على الغارات الأمريكية.

أخيراً يمكن القول إنه لحد الآن وفي ظل الفشل العسكري الأمريكي عن ردع الهجمات اليمنية ضد الملاحة الإسرائيلية والأمريكية وجدت أمريكا نفسها في مأزق لم تعهده منذ عقود، الأمر الذي دفعها تحت ضغط الحرج والفشل إلى إعادة تصنيف أنصار الله وفق قرار تضمن استثناءات أفرغته من محتواه بهدف كبح جماح رد الفعل اليمني، وهو ما أظهرته حركة السفن في موانئ الحديدة التي لم تختلف في حجمها وعددها ومواعيدها قبل وبعد سريان قرار التصنيف الأمريكي.
++++

(196)

الأقسام: الاخبار,اهم الاخبار,تقارير المراسل,عاجل