من أوراق تاريخ اليمن: الصراع على تهامة!

علي حسين الضبيبي

في العشرينيات من القرن الماضي دعمت بريطانيا العظمى الإمام محمد بن علي الادريسي حاكم صبيا، للسيطرة على تهامة والمناطق الغربية من اليمن، وحركت له المجتمع هناك لاعتبارات مذهبية صرفه: أنتم شوافع وهذا امام شافعي.

كانت بريطانيا، وهي مركز القوة والنفوذ في العالم، تتبنى مشروع تفكيك اليمن، على هدى الخارطة الجديدة التي تشكلت على اساسها دول المنطقة.. مدت بريطانيا وغيرها الادريسي بالسلاح والمال، في مواجهة الإمام يحيى حميد الدين، الذي جيش الجيوش وقاتل الادريسي في تهامة، حتى انتزعها من قبضة حاكم صبيا، ووحد البلاد بأقصى ما يمكن من حدود وطنية (تحديدا الشمال واجزاء من جنوب الوطن).

(قد لا تعجب الكثير من الاصدقاء هذه القراءة لكن هذا تأريخنا: تأريخ الحرب من أجل اليمن التي تعلمنا كيف نرسم حدود خريطتها).

شهدت تهامة حينها حروبا شديدة، وانتشرت المجاعة حتى أكل الناس الجلود وورق الشجر، وسادت الفوضى والخوف، وهرب الناس بمواشيهم الى الجبال، وكثر قطاع الطرق، الا أن تهامة كانت مقسومة، رغم ولاء كثير من مشايخها للإدريسي، لا سيما جبل “برع”، وقبيلة “القحرى” التي تمتد من غرب مدينة “باجل” وتمتد حتى حدود “حراز” و”صعفان” و”ريمة”. وقد سجل امين الريحاني في ملوك العرب قوة وبأس مقاتلي هذه القبيلة.

 

تكبد الإمام يحيى خسائر فادحة في تلك الحرب وصمد، لا سيما في جبهة برع وبلاد الطعام وبلاد القحرى. وذكر القاضي عبدالكريم مطهر، في مؤلفه “كتائب الحكمة”، قائلا بأن هذه الجبهة كانت من أشد واخطر واصعب الجبهات. ورغم تفوق الادريسي في القتال، لا سيما في سنوات الحرب الاولى، وخسائر الامام يحيى المتواصلة، الا أن الأخير كسب الحرب في النهاية، لأسباب عدة السبب الأكبر والأهم، هو: ان الامام يحيى كان يقاتل لتوحيد الكيان، بصرف النظر عن خلفياته السياسية والثقافية الآتي منها، وخسر أبناء الادريسي الحرب، لأسباب عدة، أبرزها: انهم يقاتلون لانتزاع تهامة وإلحاقها بـ” صبيا”، بروح وشعارات “مذهبية” واضحة وبدعم من بريطانيا العظمى التي تحتل “عدن”، وتخشى من دولة قوية موحدة في الشمال.

وفشلت محاولات قديمة لنفس الاغراض، شهدها الساحل الغربي، في القرن التاسع عشر، كانت تهامة تنفك، ولكن لا تقوم فيها دولة، ولا تستقر، كما حصل في عهد الشريف حمود ابي مسمار شريف أبي عريش، ثم في موجة الوهابية الاولى عندما سيطر عبدالوهاب ابو نقطة على زبيد وبيت الفقيه، ووصل الى حدود ريمة، ثم انكسر، وكما حصل في فترة القوات المصرية بقيادة ابراهيم باشا، وتمرد بلماز، ومن بعدهما الشريف حسين بن علي حيدر الذي وصل الى تعز وانفرد بتهامة ودعم محمد بن يحى المتوكل بالمال والرجال للسيطرة على الحكم في صنعاء، الا أن المتوكل الذي استوى على العرش في صنعاء جهز الجيوش وانقض على الشريف حسين بن علي حيدر في معركة “القطيع” الرهيبة التي سقط فيها الالاف قتلى من الطرفين، وأسرت قبايل القحرى، الشريف حسين، حيث كانت قبيلتي القحرى والعبسية تقاتلان مع الامام محمد بن يحيى المتوكل، ضد حاكم صبيا وابي عريش يومها، المدعوم من مصر محمد علي باشا.

خلاصة القول ان الكيان اليمني أمس واليوم يتعرض لمحاولات تفكيك، بدعم ورغبة دول ومراكز نفوذ دولية واقليمية، لحسابات مصالحها هي، مستغلين مشاكل اليمن ونزعاته، لكن تلك الرغبات والمشاريع والأطماع، فشلت في الماضي وأراها ستفشل اليوم.

لقد خلفت مآسي فضيعة في كل مرة، وستخلف اليوم مآسٍ أفظع، لكن ستنتصر اليمن في النهاية.

من صفحة الكاتب بموقع الفيسبوك

(395)

الأقسام: آراء,الاخبار