حصاد شركات الأسلحة البريطانية مع الدول العربية: اعتبارات الكسب التجاري قبل مبادئ حقوق الإنسان!

نبيل نايلي

 

“بدل أن يؤدّي الربيع العربي إلى انتشار الديمقراطية في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الاستبدادية، تسبّبت الاضطرابات السياسية في غرق العديد منها في جحيم الفوضى”. مقتطف من تقرير صحيفة الأوبزرفر.

“هل تُغدق تجارة الأسلحة الأرباح الطائلة على بريطانيا على حساب انتهاك حقوق الانسان وتعزيز القمع السياسي؟” سؤال طرحه جيمي داورد، Jamie Doward، في صحيفة الأوبزرفر، The observer، موضحا أنّ 83 في المائة من صادرات الأسلحة البريطانية في عام 2013، بتكلفة حوالى 900 مليون جنيه استرليني، اقتنتها المملكة السعودية، وفق تحليل أجراه فريق بحوث الطاقة في منظمة السلام الأخضر، Greenpeace Energy Desk، لإحصاءات دائرة الضرائب البريطانية. كما كشف التحليل أنّ بريطانيا تحصّلت، في الفترة نفسها، على كميات من النفط السعودي، بلغت نفس القيمة.

ما نُشر في أكثر من تقرير، لمنظمات دولية، يوثّق ما ارتقى إلى “جرائم الحرب” في اليمن حيث توشك “عاصفة حزمهم” أن تدخل عامها الثالث، مدمّرة ما تبقى من اليمن العربي، دون أن تحقّق هدفا يتيما وحيدا، ورفعا للعتب، يقال لنا أن العلاقة السعودية-البريطانية أضحت خاضعة ل”تدقيق ومراجعة قانونية إثر جهود “الحملة ضد تجارة الأسلحة، the Campaign Against Arms Trade ، CAAT، خشية أن يكون “التحالف الذي تقوده السعودية قد استخدم أسلحة بريطانية في حملة القصف التي يشنّها في اليمن وشهدت انتهاكات للقانون الانساني”!

وأكدّ روي ايبستار، Roy Isbister،  من “مجموعة منع الصراعات”، التي تدعو إلى عالم خال من الصراعات، أنّه “من المرجّح جدّا أن تكون الطائرات التي صُنعت في المملكة المتحدة قد اُستخدمت لإسقاط كميات كبيرة من الذخائر في اليمن”.

منظمة هيومن رايتس ووتش، من جهتها، قدّمت أدلّة تُثبت أنّ قنبلة بريطانية كاسحة، من طراز بايف واي أربعة، على الأقل، قد استخدمت ضدّ هدف مدني، في مايو 2015.

استئناسا بتقرير جيمي داوارد، تخلُص الأوبزرفر، إلى أنّ ما سُمّي “ربيع عربيا” “شكّل منجم أرباح لصانعي ومصدّري الأسلحة في بريطانيا”.إذ باعت المملكة المتحدة، في السنوات التي سبقت عام 2011، ما قيمته 41.3 مليون جنيه إسترليني، من الأسلحة الخفيفة وما يُعادل 7 ملايين من الذخيرة و 34.3  مليون جنيه استرليني من العربات المدرّعة إلى حكومات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”! لتقفز المبيعات السنوية في السنوات ال5 اللاحقة، وتبلغ “معدّل 58.9 مليون جنيه و14 مليونا و59 مليون جنيه استرليني لتصنيفات المبيعات العسكرية ذاتها.

تؤكّد الصحيفة أنّ بريطانيا كانت عقدت أيضا، خلال العامين الأخيرين، صفقات أسلحة مع دولة الإمارات العربية المتحدة بما قيمته 388 مليون جنيه استرليني، ومع قطر بقيمة 170 مليونا، وعمان بقيمة 120 مليونا ومع البحرين بقيمة 24 مليونا.

تسريبات صوتية كان قد عرضها موقع إنترسبت الإخباري الأمريكي الأخير، The Intercept، ونسبها لجمع من مُدراء ومُمثّلي كبرى شركات السلاح في العالم، التقوا خلال مؤتمر لشركة”كريديت سويس، Credit Swiss“ في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، أكّدوا خلاله “على رواج سلعهم بسب وجود تنظيم داعش، والحوثيين في الشرق الأوسط. حتى أنّ بروس تانر، Bruce Tanner ، نائب مدير شركة لوكهيد مارتن، Lockheed Martin ،كبرى شركات السلاح في العالم، يقول فيه”إن شركتنا ستستفيد من زيادة التوتر في سوريا بعد إسقاط تركيا للطائرة الروسية.. كما سيزيد طلب المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة جراء الحرب الدائرة في اليمن على شراء الأسلحة الصاروخية. “!

مسؤول تنفيذي آخر، بإحدى شركات صناعة السلاح الأمريكية صرّح “إنه مجال نمو هائل بالنسبة لنا، كلّ من في المنطقة يتحدّث عن تخزين أسلحة لفترة تتراوح بين 5 و10 سنوات.. كلّهم يتحدّثون عن معركة طويلة ضد تنظيم الدولة.” ! ثمّ يتساءل البعض عن سرّ فشل محادثات مسرح العبث!!

بعد تعدادها الأرباح الطائلة التي جنتها بريطانيا، فقط حتى لا نذكر بقية الدول المنتفعة من أموال “أشاوس العرب”، ضحايا ابتزاز “الصدمة والترويع، Shock and Awe ” وبعبع “حرب الإرهاب المستدامة، Perpetual War”، والجيل الرابع من حرب الإمبراطورية، the Fourth Generation War، لم تغفل الصحيفة، رفعا للعتب،  عن حضّ الحكومة البريطانية على “أن تدعو السعودية وحلفاءها إلى وقف حملتها في اليمن، وإلى ضمان عودة الاستقرار إليها، وعلى عدم بيع أي أسلحة إلى أنظمة”-اكتشفوا لتوّهم ودون سابق اشعار- أنّها “غير ديمقراطية أو أوتوقراطية”، وهي الراعية الرسمية لربيع اختطفوه في مهمده، كما اكتشفوا بعد تخريب اليمن وتحويله إلى الدولة الفاشلة، ما حدا بمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) وبرنامج الأغذية العالمي لتطلق “نداء لجمع 235.1 مليار دولار بشكل عاجل لإنقاذ حياة أكثر من سبعة ملايين يمني وتفادي كارثة انسانية كبيرة”، أنها قد ستستخدمها “في انتهاكات للقانون الدولي وشريعة حقوق الإنسان في العالم”.

لحظة ينتهون من نهب ما أمكن نهبه استثمارا في الترويع، يحوّلون تقارير المنظمات الدولية إلى ملفات ابتزاز، ثم إلى ملفات إدانة تتكفّل بها ترسانة قوانينهم لاستكمال عملية النهب!  قانون “العدالة في مواجهة رعاة النشاط الإرهابي”، أو Justice Against Sponsors of Terrorism Act ، جاستا أو JASTA، مثالا . نفس اللّعبة إياها منذ الأزل ومع أكثر من نظام..دون أن يستوعب الضحايا الدرس الماثل أمامهم وفي أكثر من قطر بأشكال متعدّدة!!

أخيرا، فإنّ حقوق الإنسان والمثل والقيم العليا والشعارات الكبرى عند بريطانيا و عند شركات السلاح، وعند هذه الأمم التي تعطي الدروس في القانون الدولي والعدلة ووو، لا تختلف كثيرا في رؤيتها عن الأكورديون يتسع ويضيق حسب النغم والصوت والقضية، ولا مشكلة في أن يتوقف تماما عن العزف، كلما تعلّق بالكسب!!

  • باحث في الفكر الإستراتيجي الأمريكي، جامعة باريس.

نقلا عن رأي اليوم

(67)

الأقسام: آراء,الاخبار