هل اقتنعت السعودية والإمارات فعلاً بالحلِ السلمي في اليمن؟

صلاح السقلدي

عادَ الحديثُ مجددا وبقوةٍ عَـنْ جمْـعِ أطراف الحرب المستعرة منذ أكثر من ثلاثة أعوام في اليمن على طاولة مفاوضات واحدة تحت رعاية أممية يقودها المبعوث الأُممي “مارتن جريفيت”, بعد ثلاث جولات تفاوض في جنيف والكويت فشلت جميعها-أو بالأحرى اُفشلِـتْ جميعها عن عمدٍـ ليس مِـنْ قِبَـلِ الأطراف اليمنيّــة المتصارعة كما يعتقد البعض ،بل مِــنْ قِــبلِ  التحالف نفسه “السعودية الإمارات” الذي تبنّــىَ هذه الحرب نهاية آذار مارس 2015م والذي رأى في مثل هكذا مفاوضات قبل أن تحقق له هذه الحرب الغاية والأهداف المُــعلنة والغير معلنة هزيمة له ونصرا للطرف الآخر” الحركة الحوثية وقوات وحزب الرئيس السابق صالح، وهذا لا يعني أن القوى اليمنية وبالذات المنضوية تحت مظلة التحالف والمسماة بالسلطة الشرعية تريد حقاً إيقاف الحرب، أو صارت تكترث بما يلحق بالبلد من دمار ومآسي وتشظي، فطيلة هذه الحرب عَــلِـقـتْ بجسد هذه السلطة طفيليات حرب ضارية على شكل مراكز نفوذ قوى نفعية تمتلك جزء كبير من القدرة على صنع القرار والتأثير بشكل كارثي على مجريات الأمور داخل هذه السلطة وداخل اليمن عموما,فهذه القوى ترى في توقف الحرب توقفا لروافد منهل مصالحها المالية والمادية الهائلة التي تقتاتها ومن ثروات اليمن المنهك ومن الدعم والمعونات الخارجية ومن  التلاعب بموارد الخدمات ومنها مادة الوقود, وازدهار تجارة السلاح داخليا وخارجيا بيدها بشكل مريع خلال هذه الحرب، ناهيك عن مضاربتها بالعملات الأجنبية تجاه العُــملة المحلية المنهارة” الريال اليمني” –  تجاوز سعر الدولار الأمريكي الـــ  550 ريالا يمنيا- في ظل غياب مؤسسات الدولة الرقابية وهيمنة الفساد على كل جوانب الحياة بشكل لا مثيل له بتاريخ اليمن،وترك التحالف الحبل على الغارب لهذه القوى وللسلطة  بشكل عام  للعبث بكل المقدرات والطاقات ظناً منه أن ذلك سيستقطب قطاعا كبيرا من القوى والشخصيات والكيانات في صفه، في وضع بلد بات الفقر هو السمة السائدة  فيه، وفي وقت يرى فيه هذا التحالف أن أية مجابهة مع هذه القوى ومراكز الفساد سيسبب له متاعب ويفكك مفاصل الاصطفاف الهش الذي بناه طيلة الثلاثة الأعوام الماضية-على افتراض جِـزافاً أنَّ هذا التحالف يأبه بحالة التردي والفوضى والفساد والفقر الذي يعصف بحياة الناس وأرواحهم  في اليمن وفي الجنوب بالتحديد-، فضلاً عن اعتقاده مِـنْ أنّ أي صِـدام مع هذه القوى سيعزز جبهة الحركة الحوثية.

نقول أن  هذه القوى  بما تمتلكه من نفوذ  طاغي ومتحكمة بقرارات وببوصلة السلطة المدعومة من التحالف ” السلطة الشرعية” بل وهذه السلطة ككل إلّا أنّها أضعفَ من أن يكون لها رأيٌ وقرار وطني مستقل  يتعارض وأهدافه هذا التحالف،وبالذات بقضايا مصيرية من كقضية إيقاف الحرب أو الشروع بمفاوضات مع الخصوم…فالقرار الأول والأخير ما زال بيد التحالف،ليس فقط بقرارات مصيرية بل  حتى بقرارات يمنية ثانوية داخلية بحتة مثل قرارات التعيين بمناصب الوحدات الإدارية المحلية…وبالتالي لن يكون توقيف هذه الحرب أو حتى الالتقاء حول طاولة مفاوضات واحدة- ولو مفاوضات شكلية كالتي جرتْ ثلاثة مرات سابقاً -إلا إنفاذا ًوتوافقا مع المصالح السعودية الإماراتية، وفي الوقت الذي يناسب ظروفهما، ومن خلفهما تقف بالطبع رغبة ومصالح الدول الكبرى وأمريكا بالذات.

وبرغم  كل ذلك وبرغم أن ظروف المفاوضات المنتظرة في السادس من شهر أيلول سبتمبر القادم في جنيف -بحسب المبعوث جريفيت- تبدو متشابهة الى حدٍ ما مع آخر ظروف مفاوضات عُــقدتْ  قبل قُــرابة عامين في، 2016م إلّا أنّها ليست متطابقة تماما الى حد يكون معها اليأس من نجاحها حاضرا، بل أنّها ظروفا باعثة على انبثاق وميض آخر النفق.. فمِن المؤكد أن مياهٌ كثيرة قد جرتْ بالنهر اليمني بل والخليجي منذ ذلك التاريخ، وبالتالي وبرغم محاولة التحالف بالظهور بمظهر الكبرياء والتمنُّع من التسليم بحقيقة أن الحرب لم تزد اليمن إلا دمارا وضياعا وتردي، وبرغم تجاهله أنها حربا لم تجعل الحد الجنوبي السعودي أكثر أمناً بل زادته هشاشة واضطرابا، أو التسليم بأنها -أي الحرب- وبعد أكثر من ثلاثة أعوام لم تقطع يد إيران –المفترضة باليمن-،وأنها برغم ما خلفته وتخلفه من ضحايا ودمار وسمعة سيئة للتحالف ذاته قد فشلت في تحقيق أهدافها ، الأهداف المُــعلنة على الأقل-مع أنّــها قد حققّـتْ  كثيرا من الأهداف  الغير معلنة مثل إنهاك القدرات العسكرية لليمن وإضعاف أراداته السياسية ووضعه بإذلال تحت مسيس الحاجة لمال الخزائن الخليجية بعد أن أصبحت أرضه كومة أطلال وركام، ووحدته الداخلية اشلاء متناثرة وبقايا، بالتوازي مع وجوده أي التحالف – السعودية والامارات- العسكري على الارض واستحواذهما على أهم جغرافيا اليمن برا وبحرا. نقول انه برغم كل هذا فأن التحالف قد بات أقرب للتعاطي مع الأمر الواقع ببرجماتية  بأن الحرب يجب أن تضع أوزرها , فبرغم أنه  قد يعهد لشركائه الى اتباع اسلوب المماطلة والتسويف نحو الحل الشامل من خلال التصلب بالتمسك بما يمسيه بالمرجعيات الثلاث: المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار -الحوار الذي جرى في صنعاء -قبل هذه الحرب-، وقرار محلس الأمن 2216، و لهذا الغرض أفتُتِح في الرياض، يوم الاثنين 13 أغسطس الجاري، مؤتمر باسم دعم مرجعيات الحل السياسي في اليمن الذي نظمته الأمانة العامة لـمجلس التعاون الخليجي برئاسة الأمين العام للمجلس″ الزياني” ،إلّا أنّــهُ أي ” التحالف” في نهاية المطاف وبالذات بعد أن اوشك أن يقتنع بما ظفر به باليمن بهذه الحرب من مكاسب كبيرة، وبعد أن باتت سمعته الاخلاقية والانسانية على المحك جراء تزايد الضحايا التي تخلفها ضرباته الجوية والحصار الذي طال أمده، والذي خلّـفَ وضعا مأساويا، أوشك معه صبر المجتمع الدولي على النفاذ سيوعز لشركائه وركائزه الداخلية بالانخراط بالمفاوضات والمضي نحو تسوية يمنية شاملة تكون المصلحة الخليجية دُرّة تاجها.!

(255)

الأقسام: آراء,الاخبار

Tags: ,,,