مركز السكري بالعاصمة يدق ناقوس الخطر بعد ارتفاع الإصابة وغياب الدعم .. السكري في اليمن .. قصص مأساوية ترويها الأقدام المرضى

المراسل | هاني أحمد علي:

قمة الألم والحزن والخسارة والفقدان أن تتخلى عن أحد أعضاء جسمك بسبب الفقر والحاجة .. هذا ما حدث مع المواطن ” أ . ك” البالغ من العمر 50 عاماً، نازح من محافظة الحديدة بالعاصمة صنعاء جراء العدوان السعودي الأمريكي، حيث وهو مصاب بمرض السكر منذ عدة سنوات وقد تعرضت إحدى قدميه لجروح عميقة، ما دفع أولاده إلى اصطحابه لمركز أمراض السكري بمستشفى الثورة العام وعرضه على الطبيب الوحيد والمؤهل في المركز الدكتور عدنان البتول الذي وجه بدوره بإجراء الجراحة كون الحالة لم تصل إلى مرحلة متأخرة، وبما أن عملية الجراحة تتطلب من المريض مراجعة المركز والطيب بصورة مستمرة وعلى مدى أشهر، فقد طلب إجراء عملية جراحية لبتر قدمه نظراً لعدم قدرته على تحمل مصاريف الذهاب والإياب كل ثاني يوم للجراحة ، وهو ما تم بالفعل بعد أن أجريت له عملية بتر من الركبة منتصف شهر أكتوبر الجاري، ليحمل إعاقته معه مدى الحياة.

 

مرضى السكري .. قصص مأساوية

قصة المريض النازح من الحديدة ليست إلا واحدة من عشرات بل مئات القصص المأساوية التي يحملها مرضى السكر في اليمن، ويتجلى ذلك عند زيارتك لأول مرة لمركز السكري في مبنى العيادات الخارجية لهيئة مستشفى الثورة العام بالعاصمة صنعاء، عندما تشاهد عشرات الحالات من بترت أصابع أقدامهم ومنهم من ينتظر ومنهم من يصطف أمام بوابة العيادة لانتظار سماع الممرضة تنادي باسمه للدخول إلى الطبيب.

هناك الكثير من الناس لم يسمع من قبل عن مرض يسمى القدم السكري ومنهم محرر المادة، وعند الوصول إلى مركز السكر ترى العشرات من الرجال والنساء قد توحدت أقدامهم باللون الأبيض وهو لون الرباط والشاش الملفوف على القدم أو الأصابع المبتورة، وعند الدخول إلى غرفة عيادة القدم السكري التي لا تتعدى 2 أمتار مربع تجد طبيب يلبس الكمامات وأمامه فقط قدم المريض المصابة الخاضعة للجراحة، وبجوار ممرضتان تقومان بالمساعدة ويعملون معاً كفريق واحد وخليه نحل رغم قلة الإمكانات ومحدودية الدعم.

قبل الدخول إلى غرفة الدكتور عدنان البتول، الطبيب الوحيد المؤهل داخل مركز السكري، لم يكن للإنسانية سوى اسمها، ولكن عندما ترى الجهود المبذولة من قبل هذا الدكتور وهو يقوم بمعاينة ما يقارب 80 حالة يومياً من المصابين بالقدم السكري وهو مرض ناتج عن تعرض مرضى السكر لجروح في القدم ونتيجة للجهل وغياب الوعي تصل هذه الجروح إلى مراحل متقدمة يؤدي إلى بتر القدم أو عدد من الأصابع، وفي حال وصول المريض مبكراً تتم النجاة وإخضاع القدم للجراحة حتى التماثل للشفاء بإذن الله، لتجد داخل هذه العيادة أن للإنسانية معنى أيضاً.

يعمل الدكتور عدنان البتول، الطبيب الوحيد المؤهل داخل مركز السكري، وبجواره الممرضتان آمال وذكرى بكل تفاني وهمه عالية بشكل يومي ابتداء من الساعة 9 صباحاً وحتى 1 ظهراً، بالإضافة إلى قيامه بإجراء العمليات الجراحية لمرضى السكر خلال فترة المساء تصل في كثير من الأوقات إلى منتصف الليل، فقبل الدخول إلى عيادة القدم السكري ترى الجهود المبذولة من قبل هذا الطبيب الإنسان وهو يعمل على معاينة ما يقارب 80 حالة يومياً من المصابين بالقدم السكري ذكوراً وإناثاً أغلبهم من كبار السن، وهو مرض ناتج عن تعرض مرضى السكر لجروح في القدم ونتيجة للجهل وغياب الوعي تصل هذه الجروح إلى مراحل متقدمة يؤدي إلى بتر القدم أو عدد من الأصابع، وفي حال وصول المريض مبكراً تتم النجاة وإخضاع القدم للجراحة حتى التماثل للشفاء بإذن الله، لتجد داخل هذه العيادة أن للإنسانية اسماً ومعنى.

 

الجهل والفقر وثالثهما الإهمال

يلقي الدكتور عدنان البتول بالمسئولة الكاملة عن انتشار هذا المرض على الجهل وغياب الوعي وانعدام الثقافة الصحية، مبيناً أن مرضى السكري هم الفئة الوحيدة المهمشة في هذا البلد ولا تلقى أي اهتمام سواء من قبل الجانب الحكومي أو القطاع الخاص أو المنظمات الدولية.

ويضيف الدكتور البتول في تصريح خاص لـ”المراسل” أن هناك الكثير من الصعوبات والعوائق التي تواجه مرضى مركز أمراض السكر وعلى وجه الخصوص القدم السكري، أبرزها الوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب والحالة المادية المتردية التي يعيشها هؤلاء المرضى، لا سيما بعد انقطاع المرتبات وعدم قدرة الغالبية منهم على شراء الأدوية، لافتاً إلى أن هناك مرضى يصلون إلى العيادة من أجل الحصول على الجراحة للقدم وهم لا يمتلكون ثمن الربطة أو الشاش التي يتم تعقيم الجرح، منوهاً إلى أن هناك حالات جديدة تزداد كل يوم.

ودعا الدكتور عدنان البتول جميع أمراض السكري في اليمن إلى ضرورة مراجعة الطبيب المختص كل 3 أشهر على الأقل من أجل مراجعة الحالة وإجراء الفحص التراكمي باستمرار، حتى لا يتعرض المريض لأي من الإصابات الناتجة عن هذه المرض، مطالباً الجهات الحكومية ممثلة بوزارة الصحة العامة والسكان والمنظمات الدولية العاملة في مجال الصحة إلى سرعة تقديم الدعم والعون لمرضى السكري الذي بات يشكل وباء في هذه البلد وزاد بنسبة كبيرة جراء استمرار العدوان والحصار على مدى 5 سنوات.

 

إهمال المريض يسبب عبئاً على الدولة

إلى ذلك أكد الدكتور عبدالكافي الحداد – نائب مدير المركز الوطني للسكري، أن الاهتمام بمريض السكري منذ البداية وإجراء الفحوصات له مجاناً وإعطاءه الدواء وجهاز الفحص بلا مقابل ومتابعة حالته كل 3 أشهر للاطمئنان على صحته سيوفر الكثير على الدولة ، لأن عدم الاهتمام بمريض السكري يسبب له مضاعفات مثل العمى وتساقط الاسنان والفشل الكلوي وجلطات في القلب والدماغ ومشاكل صحية أخرى تشكل عبئاً كبيراً.

وأضاف الدكتور الحداد في تصريح خاص لـ”المراسل” أننا في مركز أمراض السكري نعالج الفقر والجهل والمرض بوقت واحد، فالسكري ليس مرضاً عابراً مثل الانفلونزا والاسهال والصداع، بل يعد مرض العصر ويرافق المريض طوال حياته وعلى مدار 24 ساعة، مشيراً إلى أن هناك تقصير 100% من قبل الدولة تجاه مرضى السكري، مستدركاً بالقول: “لكننا في وضعنا الراهن لا نعتبره تقصير لان العدوان والحصار منع دخول أجهزة طبية جديدة ومحاليل مخبرية ولا حتى الأدوية”.

ولفت نائب مدير مركز السكري إلى أن 10% من سكان اليمن مصابين بداء السكري، وأن كل شخص مريض بالسكري يقف خلفه شخص آخر مخفي مريض أيضاً، مرجعاً السبب إلى العديد من العوامل أبرزها الجانب المادي الصعب والحرب والخوف من الصواريخ والقصف، مبيناً أن المركز الآن يضم أكثر من 28 ألف مريض بالسكري مقارنة بـ10 ألف قبل بداية العدوان، أي أن ما يقارب 18 ألف حالة زادت خلال السنوات الماضية، موضحا أن المركز يستقبل يوميا من 80 – 100 حالة اغلبها حالات جديدة.

وكشف الدكتور الحداد أن مركز أمراض السكري بمستشفى الثورة هو الوحيد في العاصمة صنعاء وهناك آخر في مستشفى الجمهورية بعدن، وقد تم افتتاحهما في العام 2006عن طريق الجمعية اليمنية للسكري وبدعم وتمويل من الاتحاد الدولي للسكري، مشيراً إلى الكثير من العوائق التي واجهتها الجمعية اليمنية من أجل مرضى السكري ورفض الكثير من المستشفيات التعاون في ذلك وافتتاح عيادة خاصة يتم تمويلها من الاتحاد الدولي إلا أن كثير من تلك المستشفيات كانت تنظر إلى الجانب الشخصي وعلى حساب المرضى المحتاجين، باستثناء عيادات صغيرة توجد حالياً في المستشفى الجمهوري ومستشفى 48 الذي لا يقدم العلاج إلا للعسكريين فقط.

وشدد نائب مدير المركز الوطني للسكري على ضرورة أن يكون لدى المريض وعي كافي حول هذا المرض الملازم له طوال الحياة والالتزام بأخذ الأدوية بانتظام وممارسة الرياضة ومتابعة الطبيب باستمرار حتى تقل مخاطر المضاعفات، مشيراً إلى أن من أسباب المشاكل التي يتعرض لها مريض السكري هو سعر الدواء المرتفع لاسيما الأنسولين الذي وصل سعره اليوم إلى 6 ألف ريال بعد أن كان سعره قبل العدوان 2000 ريال، بالإضافة إلى الدواء المهرب والمزور والمغشوش الذي قد تكون نتائجه عكسية وتدخل المريض في غيبوبة لغياب فعاليتها وأداءها، مبيناً أن المركز لجأ إلى الصناعات الدوائية الوطنية كون ذات جودة عالية وممتازة جداً ولا تتأثر مثل المستورد الذي يتعرض للرطوبة والحرارة وسوء تخزين ونقل وغيرها.

 

مرضى السكري بين المناشدة والاستجداء

وفي السياق يرى المواطن سعيد عبدالله – 55 عام من أبناء مديرية جبل حبشي محافظة تعز ويعمل حارساً في إحدى المباني بالعاصمة صنعاء، أن الكثير من الأسباب تقف وراء حدوث المشاكل لمريض السكري في اليمن، منها غياب الثقافة الصحية وحالة الفقر والوضع المعيشي والاقتصادي الذي يزداد صعوبة كل يوم.

وبوجه شاحب وصوت هادئ ونظرات لا تفارق قدمه يتحدث المريض سعيد عبدالله المصاب بالسكري منذ 6 أعوام لـ”المراسل” عن بتر أصابع قدمه اليسرى منذ عامين بسبب إصابته بآلة حادة قام بمعاجلتها من خلال الطرق التقليدية، الأمر الذي سبب في انسداد الشرايين وتحول لون قدمه إلى اللون الأسود، قبل أن يتم بتر عدد من الأصابع بدلاً من القدم كاملة.

وناشد المريض عبدالله الجهات الرسمية ممثلة بوزارة الصحة العامة والسكان والقطاع الخاص ممثلاً برجال المال والأعمال والمنظمات الدولية إلى سرعة تقديم يد العون والمساعدة لمركز السكري الذي يفتقر إلى أبسط مقومات البقاء كالشاش والمعقمات والمطهرات والمستلزمات الضرورية، والنظر إلى الآلاف من المرضى بعين الإنسانية والرحمة والرأفة كونهم مواطنين ينتمون للجمهورية اليمنية وليس لبلد آخر.

(275)

الأقسام: تقارير المراسل