من جرحها النازف يخط المقاومون مسار الوجود العربي.. فلسطين وقيامة الأمة

المراسل: محمد ناجي أحمد*

 في بداية القرن العشرين سمح السلطان عبد الحميد الثاني لليهود أوروبا بالاستيطان في فلسطين ،فبدأت عشرات المستوطنات تتكاثر داخلها، مما أفزع عرب فلسطين فثاروا ورفضوا ،لكن المستوطنات استقوت بالجنود العثمانيين الذين مكنوا اليهود من تلك الأراضي في طبرية وغيرها . ومع سقوط الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى ،تحولت المستوطنات إلى نواة دولة استعمارية مكن لها تصريح بلفور،المشهور بـ(وعد بلفور) عام 1917م،الذي أطلقه وزير خارجية بريطانيا آنذاك.

 

لقد هيأ الانتداب البريطاني كل ممكنات التمكين العسكرية للعصابات والميليشيا الصهيونية كي ترث عنه مستعمرة فلسطين ،وتقوم بوظيفة الذراع الامبريالي المتقدم في المنطقة .

شنت العصابات الصهيونية حرب إبادة للفلسطينيين في القرى والمدن، واستمرت عمليات الإبادة والتهجير والمذابح الجماعية طيلة العقود الماضية .

سعى الكيان الصهيوني منذ احتلاله لفلسطين إلى تغيير الخارطة الطبوغرافية ،محولا الفلسطينيين إلى أقلية مؤسرلة ،أي تابعة لإسرائيل وليس لها المواطنة الكاملة ،يجب عليهم أن يحتفلوا بما يسمى بعيد الاستقلال،فيوم النكبة العربية وإعلان الكيان الصهيوني دولة عام 1948م يتم الاحتفال به عيدا للاستقلال ،وعلى الفلسطينيين أن يرفعوا أحد الأعلام الاثني عشر التي تشير إلى أسباط بني إسرائيل،وأن يرفعوا العلم الصهيوني،في تهجين ومسخ للقضية الفلسطينية من قضية استعادة وطن محتل ومستوطن إلى قضية مواطنة منقوصة،لعرب 48،أو ما يطلق عليهم صهيونيا (عرب إسرائيل)!

 

ماذا يعني احتلال الصهيوني لفلسطين؟

تعامل العرب باسترخاء وبعضهم بتواطؤ بخصوص تنامي المستوطنات الصهيونية في فلسطين ،لتصل الأمور بغفلتهم إلى هزيمتهم (نكبة)في 1948م ،وهزيمتهم (نكسة )حزيران /يونيو1967م.مما ترتب على ذلك الاستيلاء على الأراضي العربية في مل تبقى من فلسطين ،والجولان وسيناء وأراض لبنانية وأردنية،وضمها للاحتلال الصهيوني.

وهاهم عرب اليوم يتعاملون مع (مشروع إسرائيل الكبرى) بذات الغفلة وبعضهم بانخراط يخدم المشروع الصهيوني في المنطقة العربية.

بالرغم من وضوح الخارطة التي وضعها (هرتزل ) عام 1904م لإسرائيل الكبرى ،وجددها فيشمان عام 1947م.وهي موجودة بحدودها الاستعمارية ،موثقة في أرشيف ووثائق هيئة الأمم المتحدة .وتشمل الكويت وشمال الجزيرة العربية بما فيها مكة والمدينة المنورة ،ومجمل الأراضي العراقية الواقعة غربي الفرات ،ومجمل الأراضي السورية واللبنانية والأردنية ،وكل الأرض الفلسطينية وسيناء والنقب ،ومجمل الأراضي الواقعة شرقي نهر النيل من ساحل البحر الأبيض المتوسط وحتى بدايات النوبة المصرية!

إن الأمر لا يخص معركة حول جغرافيا حدودية ،وإنما هي حرب وجودية مستمرة في مواجهة استعمار استيطاني تمددي ،ينطلق من أساطيره ليحقق المصالح الأمريكية بشكل خاص والغربية،لهذا نسميه بذراع الامبريالية المتقدم في المنطقة العربية.من فلسطين إلى باب المندب ،ومن المغرب العربي إلى الخليج العربي.

أكثر من مائة عام من سياسة الاستيطان واجتثاث الفلسطينيين من أرضهم ،لكن الشعب العربي المقاوم يؤمن بأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلى بالقوة،ولهذا تستمر راية المقاومة ،من اليسار العربي والقومية العربية إلى المقاومة الإسلامية ،فكل ممكنات الأمة وعوامل حضورها تستمر في مقاومة هذا الكيان السرطاني ،الذي يستهدفنا وجوديا ،ويستغفلنا بسياسات التطبيع التي يراد منها القبول بدور العبيد .

القضية الفلسطينية هي لب وجوهر القضايا العربية ،فلا حرية ولا سيادة دون هزيمة هذا المشروع الصهيوني ،والذي أصبح اليوم يتواجد اقتصاديا وعسكريا واستخباراتيا في قطر والإمارات وله علاقات متينة مع كل دويلات محطات البنزين في الخليج العربي.

ويشكل النظام السعودي دورا محوريا في تمكين إسرائيل من أن تكون شرطي المنطقة المسيطر على البحر الأحمر وخليج العقبة ،والبحر الميت وجنوب البحر الأبيض المتوسط!

تعي إسرائيل أهمية حلفها مع تركيا وأثيوبيا وارتيريا،ولهذا سعت منذ البدايات إلى تعميق تحالفاتها وشراكتها الاقتصادية والعسكرية والاستخباراتية مع هذه الدول،فتركيا له أطماعها في سوريا وفي العراق،وأثيوبيا لها مشاريعها في التحكم بمياه نهر النيل المغذي لمصر ،كما هو شأن تركيا ومشاريعها في الأنهار التي تغذي العراق وسوريا!

فإسرائيل تعي أهمية حرب المياه في إخضاع العرب ،وأهمية البحر الأحمر في التجارة ،والسيطرة على ثروات الخليج العربي،ضمن تفكير استراتيجي في جعل العرب جغرافية ومقدرات تحت هيمنتها وسيطرتها وكالة عن الغرب.

الإيمان بالقضية الفلسطينية ليس ترفا نضاليا وإنما وعي حتمي بما تقتضيه معركة المصير في أن نكون أو لا نكون ،وهي معركة وعي تترجم إلى فعل مقاوم على الأرض.

 

الاستيطان الأمريكي/الصهيوني

يتماثل الاستعمار والاستيطان الإسرائيلي في فلسطين ،مع الاستعمار الاستيطاني الغربي في أمريكا بنواح عدة .فبريطانيا هي الأساس في بناء المستوطنات الأمريكية ،وهي الأساس في استجلاب اليهود إلى فلسطين ،وبناء المستوطنات الإسرائيلية لهم .

في كتاب “الأمريكيون –التجربة الاستعمارية “ل”دانْيِّل جي .بورستن”نجد التماثل بين أمريكا وإسرائيل ،فكل منهم يؤمن بأنه يؤسس صهيونه؛أي مجتمعه الخيالي ،على أرض زعموا بأنها بلا شعب ،ولو كان ذلك على حساب السكان الأصليين ،وعلى حساب ثقافاتهم وحضاراتهم .

فالبيوريتانيون في عالمهم الجديد بأمريكا يرون بأنهم نموذج المسيحية الحقة ،لهذا بنوا “صهيون”في البرية الأمريكية “كمدينة على تلة لا يمكن للآخرين أن يتوجهوا إليها بأنظارهم من أجل أن يتعلموا .وكما كان المعبد هو المركز الاجتماعي والجغرافي في مدن نيوأنجلاند ،فإن الموعظة كانت الحدث المركزي في الاستيطان الأمريكي .

هكذا يحضر الدين بأساطيره في العهد القديم لدى الأمريكيين ولدى الاسرائليين ،فأهمية الموعظة “كطقس ديني مماثلة لأهمية المناسبات التي تعلّم فيها أهل ما بين النهريين القدامى من أحبارهم عن الأقدار التي جرت تشريعات آلهتهم ” يتداخل القس والحاكم في الشخصية الأمريكية بشكل واضح ،بل إن الصفتين تجتمعان لدى الرئيس الأمريكي جيمي كارتر ،كقس ورئيس للإدارة الأمريكية .ويبدو الوعظ الديني في الخطاب السياسي لدى ريغان وجورج بوش الأب والابن ،و”وقوف الرب مع أمريكا “في حروبها ضد الآخرين “الأشرار”.

منذ المستعمرات البريطانية التأسيسية في أمريكا نجد هذا المزج بين الديني ومقتضيات الحم والمصالح العملية “في نيو انجلاند كان القساوسة ،كما قالوا هم أنفسهم “يفتتحون “نصوص الكتاب المقدس التي كان عليهم العيش وبناء مجتمعهم بموجبها .لقد اتصفت المواعظ بمسحة لاهوتية عميقة ،لكنها ذات طابع عملي واضح أيضا ،يقوم على القبول المشترك للديانة التي لم تترك للقسيس سوى اكتشاف “فوائدها “من أجل هداية القديسين وبناء صهيون “.

تتميز حرب أمريكا الباردة والساخنة ضد الاتحاد السوفيتي بأنها حرب صليبية ،في توظيف الدين المسيحي والاسلامي بمواجهة ما أسمته ب”الشيوعية الملحدة “.

يقدم أهالي مستعمرة “نيو انجلاند “في القرن الثامن عشر نموذجا لهذا التداخل بين الديني والنفعي ،فقد كانوا يطلقون على مكان عبادتهم “دار الاجتماع .وكانوا يتحدثون عما عليهم أن يقدموه للعالم!

لقد كانت المستوطنات الأمريكية قبل استقلالها عن بريطانيا تصيغ قواعدها القانونية على أنها نابعة من “كلمة الله وضوء الطبيعة الواضح في الأمم المتمدنة “في دمج بين الكتاب المقدس والقانون الطبيعي .

كانت رؤية المستوطنين البيوريتانيين في أمريكا للهنود الحمر على أنهم “جند الشيطان “وكذلك وصفت إدارة “ريغان ” الاتحاد السوفيتي بأنه “مملكة الشر”في مواجهة “مملكة الخير “الملحدون “في مواجهة “المؤمنين “من أتباع الديانة المسيحية والإسلامية !

من هنا نفهم الانحياز الأمريكي الكامل للكيان الاستيطاني الاستعماري الإسرائيلي .فتصريحات الإدارات الأمريكية المتعاقبة :أنه لا حقوق للفلسطينيين قد تتضارب مع القوة الإسرائيلية ،وترفض أية مشاركة دولية في حل القضية الفلسطينية ،باستثناء لما يسميه أحد مستشاري كنيدي “الملازم أول البريطاني ” في وصف دال وعميق لطبيعة دور بريطانيا التابع للإدارات الأمريكية . وبحسب كسينجر “ضمان ألا يشارك الأوربيون واليابانيون في العمل الدبلوماسي الخاص بالشرق الأوسط ” بحسب ما ينقله “تشومسكي “في كتابه “قوى وآفاق “.

لقد استمر البيت الأبيض بعد سقوط جدار بريلين عام 1989م بالشرح أمام الكونجرس بضرورة إبقاء ميزانية البنتاجون في مستوى هائل .وبحسب “نعوم تشومسكي” في كتابه “قوى وآفاق –تأملات في الطبيعة الإنسانية والنظام الاجتماعي –ترجمة :ياسين الحاج صالح -1998م –فإن مهندس فكرة قوات الانتشار السريع أمام “كارتر “”التي سميت فيما بعد القيادة المركزية ” فإن هذه القوات موجهة نحو الشرق الأوسط ،وأن استخدامها المرجح لن يكون لمقاومة هجوم سوفيتي (مستبعد جدا )بل التعامل مع الاضطرابات الإقليمية ،وتلك التي يقوم بها السكان الأصليون “الوطنية الراديكالية “التي كانت دائما هما سياسيا “.

يعمل الإعلام الأمريكي /البريطاني ،وتوابعه ،على تعتيم الحقائق بخصوص قتل الفلسطينيين “أو الفظاعات والإساءات الأخرى بحقهم قّلما تحظى باهتمام ،وهي قطعا لا تنال التغطية البارزة والاستنكار العنيف (للقتل المجنون “نيويورك تايمز )حين يكون الضحايا يهودا إسرائليين “. فالقتل لا يكون “مجنونا”في الإعلام الغربي إلاّ إذا كان القتلى يهودا !

توظف أمريكا “لعبة الديمقراطية”وتساند الكيانات الاستبدادية والصهيونية في المنطقة العربية والشرق أوسطية .كل ذلك في خدمة “السوق “بل إن حرية التجارة بالنسبة لها هي واحدة من ألعابها التي توظفها في خدمة احتكاراتها .ويمكن معرفة عمق خوفها من الديمقراطية وكراهيتها لها في موقفها من ديمقراطيات أمريكا اللاتينية وإيران .

لقد صيغت الأيديولوجيا الأمريكية المعاصرة على يدي “ريكاردوا”و”مالتوس “وآخرون .فالناس لا حقوق لهم ،وغلطة التنوير والحداثة أنها جعلت الشعوب يعتقدون أن لهم حقوقا ومكانة في المجتمع “أما العلم الجديد فقد أثبت أن مفهوم “الحق في الحياة “مجرد أكذوبة “ليس هناك من خيار سوى السوق أو الموت أو الذهاب إلى مكان آخر ،أي استئصال السكان الأصليين ،وطرد ما يتنافى مع “اقتصاد السوق “كما يورد ذلك “نعوم تشومسكي “في كتابه آنف الذكر .

هذا “السوق “الذي جعل أمريكا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي ،تعمل على زيادة ميزانية البنتاجون ،وتنشط انتشار الأسلحة في العالم الثالث ،مع تطويرها وتعقيدها التكنولوجي !مما جعل حصتها في المبيعات للأسلحة لبلدان العالم الثالث ما يقارب ثلاثة أرباع مبيعات الدول الأخرى لهذا العالم!

وسياسة مبيعاتها تقوم على أساس “لقد بعنا F16 في العالم كله ،ماذا سيحصل إن انقلب (صديق أو حليف)علينا ؟من أجل تجنب هذا الخطر علينا أن نبيع أسلحة أشد تعقيدا للخصوم المحتملين ” أي للخصومات البينية داخل العالم الثالث ،والشرق الأوسط بشكل خاص

 

إسرائيل والحدود المفتوحة:

ليس هناك حدود لإسرائيل المزعومة ،ويظل الخلاف حول وضع حدود لها أو أن تظل حدودها تتسع باتساع المصالح الغربية –مثار جدل  صهيوني ،الغلبة فيه للطرف الذي يعبِّر عن مشيئة الولايات المتحدة الأمريكية . فإسرائيل هي ذروة الرأسمالية وتوحشها الاستعماري .

أمن إسرائيل دوما هو الحصول على مواقع “هجومية ” تستطيع من خلالها أن تبقي البلاد العربية تحت هيمنتها . ومن هنا فإن مضيق باب المندب جنوب البحر الأحمر ،ومضيق تيران في مدخل خليج العقبة من المواقع الهجومية المهمة للهيمنة الغربية والإسرائيلية في المنطقة .

 

في كتابه “أبعاد في المواجهة الغربية الإسرائيلية “الصادر عن المؤسسة العربية للنشر ،عام1972م – يتساءل المؤلف (أحمد بهاء الدين ) : ماذا تريد إسرائيل ، وما هو أسلوب عملها لتحقيق ما تريد ؟

إن إسرائيل بحسب أحمد بهاء الدين –لا تقول أبدا ما تريد بالضبط ،فهي تريد “حدود آمنة معترف بها ” و” سلام تعاقدي كامل ” وهذه عموميات وحدود مفتوحة على الأمن والمصالح .ودوما ترد بتصرفات فعلية كضم القدس وبناء المستوطنات .

تحتفظ إسرائيل بما احتلته من أراض ومواقع استراتيجية ،وتنتظر التنازلات تلو التنازلات .

لقد نظرت إسرائيل إلى مقترحات روجرز وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية أواخر الستينيات –بأنها واضحة أكثر مما تريد ،وهي غلطة لا تغتفر ،لأن الوضوح “يضعف موقف إسرائيل التفاوضي ” الذي يرتكز على الغموض وعدم معرفة ما تريد .

 

ما تريده إسرائيل هو ” التوسع والأمن “

الإسرائيليون والأمريكيون لا يضعون أوراقهم على المائدة حتى لا يتضح هول ما يريدون . لكن بعد عزل مصر باتفاقية كامب ديفيد 1978م ،واحتلال العراق عام 2003م  ،وإنهاك سوريا والعدوان على اليمن من 2011م –أصبحت مشيخات الخليج تنفذ طلباتهم التوسعية في المواقع الاستراتيجية في البحر الأحمر وخليج عدن ، ومشاريعهم الاقتصادية المزمع إنشاؤها من فلسطين ومصر إلى عدن والصومال وجيبوتي . وهي مشاريع موازية مع ما سموه ب”صفقة القرن “.

خارطة إسرائيل المزعومة تتحدد ملامحها وسعتها بحسب تاريخ صدورها . ففي كتاب بن جوريون الذي صدر عام 1971م تشمل كل الأرضي التي احتلتها آنذاك من الجولان إلى نهر الأردن  إلى قناة السويس . ولو رسمت اليوم لامتدت شاملة مضيق( تيران )ومضيق (باب المندب ).

منذ بداية السبعينيات تحول “باب المندب ” إلى موقع استراتيجي لأمن إسرائيل . فالوجود الصيني تعاظم في شرق أفريقيا من الجهة المقابلة للمضيق ،لهذا بدأت إسرائيل تلفت نظر أمريكا بخطورة التواجد الصيني على الأمن الأمريكي في البحر الأحمر . ومن هنا بدأت أمريكا في جعل البحر الأحمر بحرا أمريكيا ،وموقعا من مواقع الاستراتيجية الإسرائيلية .

بحسب ما أورده (أحمد بهاء الدين ) في كتابه آنف الذكر فإن الخلاف بين صهاينة أمريكا وصهاينة العصابات الإسرائيلية في فلسطين ،طرح في المؤتمر الصهيوني الذي عقد في أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية ،وقبل إنشاء دولة إسرائيل كان حول قيام دولة إسرائيل على جزء من فلسطين وفقا لاقتراحات التقسيم المطروحة . إلاّ  أن زعماء الصهيونية في أمريكا كان موقفهم أشد تطرفا فيما يريدونه من إسرائيل كدولة وظيفية ،عليها أن تمتد وتتسع باتساع المصالح الأمريكية في المنطقة .

 

 

إسرائيل بالنسبة لأمريكا “حاملة طائرات غير قابلة للغرق ” كما يصفها السيناتور ستيورات سيمنجتون .

قال بن جوريون ستكون حدود إسرائيل في المستقبل حيث يستطيع أن يقف الجيش الإسرائيلي .

في كل جغرافية وموقع يريد الإسرائيليون الاستيلاء عليه يستحضرون أسطورة أو يختلقونها .

في عام 1956 قبيل الهجوم على مصر كان بن جوريون طوال رحلته طوال رحلته إلى فرنسا للاتفاق على مؤامرة الهجوم على مصر ،وفي ذهنه فتح خليج العقبة – يقرأ كتاب اسمه “تاريخ حروب جستنيان “وفيه  فصل ظل يقرأه عن مملكة يهودية قامت في القرن الخامس بجزيرة “تيران ” التي تقع عند مدخل خليج العقبة !

تنتهج إسرائيل سياسة ” القضم ” و ” الهضم ” وتطبيع العرب مع سياسة الأمر الواقع ” لقد قضمت إسرائيل من الأراضي العربية سنة 1967م قطعا أخرى جديدة ،ثم حاورت وناورت منذ ذلك الوقت للتأجيل والتسويف ،ولإبقاء العرب على حافة الحرب وحافة السلم معا . ولبلبلة الرأي العام العربي والدولي ،ولترك العرب تفترسهم خلافاتهم و متناقضاتهم …وحين ينضج الموقف على نار الزمن الهادئة تبدأ مرحلة الهضم التي خططت لها وقصدتها منذ البداية ” ص87.

نجحت إسرائيل في تحديد أهداف العرب المتراجعة من تحرير فلسطين ،وطرح قضيتها على أنها قضية شعب واغتصاب كامل لأراضي شعب من الشعوب العربية ،هو الشعب الفلسطيني ،إلى قضية “إزالة آثار العدوان” والعودة إلى ما قبل 5يونيو 1967م .ص88.

غيرت إسرائيل معالم القدس ،وأعلنت ضمها نهائيا بعد حرب 5يونيو …

وجاء الرئيس الأمريكي ترامب  ليعلن عام 2018م نقل سفارة أمريكا إلى القدس .

انتهت عملية القضم وبقي على إسرائيل أن تهضم من خلال المشاريع الاقتصادية التي أعلنها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان –كامل المنطقة الممتدة من البحر الأبيض المتوسط إلى باب المندب وخليج عدن وجيبوتي والصومال و أرتيريا .

ليس أمام المجتمعات العربية كي تحافظ على شخصيتها القومية إلاّ تثوير الجماهير في حالة ثورية شعبية شاملة ،تستهدف زعزعة الاحتلال والنفوذ الأمريكي الصهيوني وأدواته في المنطقة ،وذلك لن يكون إلاَّ بأشكال قتالية ومقاومة متعددة . فالثورة هي كسر أهداف العدوان بروح خلاقة . ففي العالم قوتان كما يقول نابليون هما : السيف والروح … والروح أبدا غالبة.

وذلك يحتاج إلى أقصى درجات التنظيم ،الذي يضع أكبر قدر من طاقة الأمة في خندق القتال ،مع أقل درجة من الارتباك . فالطاقة القتالية هي امتداد للطاقة الطبيعية لكل شعب .

” كل النصوص القانوينة في الحياة الدولية لا يفسرها قضاة محايدون ،أو محكمة منزهة ،ولكن تفسرها “علاقات القوى الفعلية ” في الساحة ” ص145 المرجع السابق .

تسير إسرائيل في النهج الذي اختطه لها بن جوريون ،ونظريته التي تقول بأن ” إيجاد الحقائق ” المادية والبشرية التي تؤدي بذاتها بعد ذلك إلى إيجاد الحقائق السياسية . وما يحدث في البحر الأحمر ومن عدوان على اليمن هو إيجاد حقائق مادية ،وإعادة رسم للخارطة جغرافيا وسياسيا .

لقد أصر بن جوريون على أن تكون القدس عاصمة لإسرائيل ،وأن حشد أكبر عدد من اليهود فيها سيجعل من تدويلها حديث خرافة !

الرهان على “إيجاد الحقائق ” لا على النصوص القانونية والشرعية التاريخية . وهو ما يحدث في أيامنا هذه في السواحل والجزر اليمنية . “إيجاد حقائق “جديدة ،وتحويل ما سمي بالشرعية إلى لافتة للوصول التدريجي إليها . والدخول لإيجاد هذه “الحقائق ” هو تقسيم اليمن وإنهاك اليمنيين فيما بينهم . وستتحول ما سمي ب”الشرعية ” إلى تاريخ في سياق المؤامرات والخدع السياسية الكبرى .

 

  • كاتب وباحث أكاديمي

(23)

الأقسام: المراسل السياسي,تقارير المراسل