بين صراع القوى التقليدية وقبضة الجماعات الإرهابية

المراسل|عبدالرحمن العابد:

تتسابق القوى الجنوبية بمختلف مشاربها السياسية وولاءاتها الإقليمية على حشد المزيد من الشخصيات التي كانت تمثل يوماً ثقلاً سياسياً إلى صفوفها، علَّ ذلك يمكِّنها من المناورة السياسية خلال المفاوضات المرتقبة، لكن هذه القوى العتيقة التي لم تتمكن على مدى العامين الماضيين من فرض نفسها شعبياً وسياسياً، تغرق في المزيد من وحل المستنقعات، وقد اختارت الانكفاء على صراعات الماضي مما قد يلقي بظلاله على مستقبل المنطقة بأسرها ويقودها إلى حرب لا هوادة فيها، كما وصفها يوماً المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث أمام مجلس الأمن، وتلك المخاوف انعكست على المفاوضات اليمنية في السويد والتي لم تحدد خلالها رؤية واضحة بشأن مستقبل جنوب اليمن، ذاك الذي بات يتهدده التطرف بعد ما صارت التنظيمات الإرهابية جزءاً من السلطة برعاية إقليمية.

على الطرف المقابل يحاول المجلس الانتقالي “وليد اللحظة” الاستفادة من تفكك تيارات الحراك، والدعم الإماراتي للظهور بصورة المسيطر على الجنوب.

وتحضر في الجنوب أطراف أخرى كحزب “المؤتمر والإصلاح والاشتراكي”، والأول أصبح كوادره وعناصره جزء لا يتجزأ من الانتقالي، والأخيران منضويان في إطار حكومة هادي، وجميعهم لا يخفون دعمهم للقضية الجنوبية بدليل إعلان اشتراكي عدن انفصاله عن اشتراكي صنعاء، وتشكيل الإصلاح قيادة جديدة لكتلته البرلمانية مناصفة بين الشمال والجنوب، لكنهما يجاريان الوضع لا أكثر ويستفيدان بحكم خبرتهما الطويلة في السياسة من نقاط ضعف الأطراف الناشئة.

أما المؤتمر في الجنوب فقد ذهب لأبعد من ذلك بموافقته على التطبيع مع إسرائيل على غرار الانتقالي تنفيذا لتوجيهات الراعي الاماراتي.

كما تتعدد التيارات السياسية في الجنوب، فيبرز حراك الشنفرة والمعطري في الضالع، والهيئة الشعبية السلفية في عدن، وحراك النوبة وأحمد مساعد في شبوة، ومؤتمر حضرموت الجامع وحلف القبائل في حضرموت، أضف إلى ذلك مجلس أبناء سقطرى والمهرة.

أغلب تلك التيارات ترفع سقف الانفصال واستعادة الدولة الجنوبية كشعار لها، لكن تلك المطالب تتماهى مع ما يفرضه العدوان، فالانتقالي الذي رفع في بدايته شعار استعادة الدولة تراجع عنه أكثر من مرة، وحتى دعوته الأخيرة للانفصال لم تكن سوى قشة للتمسك بمقعد في المفاوضات المرتقبة التي تتصارع قوى جنوبية بما فيها الفار هادي على تمثيل القضية الجنوبية فيها، والقوى الحضرمية باتت تتماشى مع مساعي السعودية اليد العليا في المحافظة في فصل حضرموت عن الجنوب، وفي المهرة وسقطرى ترتفع أصوات تطالب بفصلهما عن المركز في حضرموت.

هذا التنوع يبقي الجنوب ممزقاً اجتماعياً وسياسياً، خصوصاً وأن التحالف اختار هذه القوى بعناية وفقاً لمعايير صراع الماضي وجعلها كأداة تأكل بعضها، فهي التي لا تحضر إلا عسكرياً وفي حدود صراع مرسوم مسبقاً تجذر تاريخياً منذ ثمانينيات القرن الماضي عندما بدأت بذوره تنمو على واقع صراع الفرقاء الجنوبيين على السلطة، وكبر ليصبح فريقاً.. اليوم المعرفون بالانتقالي وحكومة هادي هما طغمة وزمرة الماضي التي روت الأرض بدماء أبنائها.

يلي ذلك ذلك حرب 7 / 7 التي ساهمت هي الاخرى في توسيع الشرخ القائم، واستغلال البعض لها، وانضواء من شاركوا فيها مؤخرا للمشهد المرتبك جنوباً ليزيدوا من استغراب متابعيه.

واقعياً، تساعد هذه التكتلات والصراعات المتشعبة العدوان في فرض أجندته في الجنوب التي بدأت ملامحها بتدشين السعودية إقليم حضرموت، رغم معارضة الإمارات، لكن الحقيقة المرة التي لم يدركها الفرقاء الجنوبيون، حيث أن جميع تشكيلاتهم العسكرية لا تدين بالولاء لهم إلا من بوابة التوجيه السعودي – الإماراتي اللذين يستندان بحضورهما في الجنوب على التيارات السلفية والجماعات الإرهابية المرتبطة بها والتي عمد التحالف منذ دخوله عدن إلى ضم عناصرها إلى قوام جيش هادي وفصائل الانتقالي وأصبحت تدير الجنوب من الباطن كسلطة أمر واقع، بتأكيد تقارير غربية نقلت عن ضباط إماراتيين اعترافهم بتجنيد تلك العناصر لأبعاد استراتيجية، وبإمكان هذه الجماعات قلب المعادلة كلياً.

(14)

الأقسام: المراسل السياسي,تقارير المراسل