تحليل خاص| المبادرة الأمريكية: التضحية بهادي والاخوان انقاذا للسعودية وإقرار بولادة يمن خارج السيطرة

المحرر السياسي| المراسل نت:

 

جاء الإعلان عن بنود المبادرة الأمريكية للحل السياسي اليمن ليكشف عن كثير من الحقائق والاستنتاجات الهامة بغض النظر عمّا إذا كانت الأطراف المعنية بالمبادرة ستقبل بها أو ترفضها، فالمبادرة عبرت عن قناعات أمريكية بالمتغيرات الجديدة في اليمن الجديد والمختلف عنه خلال العقود الماضية.

 

ولتحديد تلك الحقائق التي كشفت عنها المبادرة الأمريكية لابد من مقارنة أهم بنودها مع أهداف الحملة العسكرية السعودية على اليمن وكذلك النقاط التي تمت مناقشتها خلال مفاوضات الكويت، والتي قلنا هنا في المراسل نت في أول أيامها أنها مفاوضات لن تؤدي إلى نهاية للحرب ولكنها ستوجد أرضية جديدة ومختلفة لشكل الصراع وتؤسس لحل سياسي بعد ذلك.

وإذا كان الهدف المعلن لعاصفة الحزم هو إعادة “الشرعية” أي إعادة هادي وحكومته إلى السلطة فإن المبادرة الأمريكية نصت صراحة على الإطاحة بهادي ونائبه الأحمر وحكومته أيضا دفعة واحدة فإن ذلك يعد إقرارا صريحا بفشل الحرب على اليمن، أما الهدف الاخر لعاصفة الحزم والذي كان يصب في إزالة التهديدات على المملكة السعودية فإن ذلك يقابله التركيز على الانسحاب من الحدود السعودية وتسليم الأسلحة الثقيلة في المبادرة الامريكية بمعنى أنها جاءت من أجل السعودية وليس الشرعية، بل إن الأخيرة قد تم التضحية بها لصالح أمن السعودية.

 

وللتأكيد على ذلك يمكن نقل النص الحرفي من المبادرة الامريكية التي تظهر ان هناك تخلٍ واضح عن هادي وحكومته لصالح الرياض، حيث ترتكز المبادرة على نقاط رئيسية هي تشكيل حكومة وحدة وطنية والانسحاب من المدن الرئيسية وتسليم السلاح لطرف ثالث.

وهنا ننقل نص البنود التي تضمنتها المبادرة الامريكية وتتضمن الإطاحة بهادي وحكومته وباللواء علي محسن كالتالي:

  1. يصدر الرئيس عبد ربه منصور هادي في يوم التوقيع نفسه قراراً بتعيين نائب للرئيس أو رئيس للحكومة، ويخوله كامل صلاحياته الدستورية شريطة أن يتم التوافق بين طرفي الصراع والإقليم على اسم المرشح لشغل هذين المنصبين أو أحدهما.
  2. ويقدم الفريق علي محسن الأحمر – بالتزامن مع هذه الخطوة أو قبلها – استقالته من منصبيه نائبا للرئيس ونائبا للقائد الأعلى للقوات المسلحة.

وهناك نقطة أخرى في المبادرة توضح أن الأمريكيين لا يريدون أن يظل عبدربه منصور هادي عقبة أمام التوصل إلى حل عندما وضعت خيارات لتأدية الحكومة الجديدة لليمين الدستورية حيث يقول ذلك البند “تقترح المبادرة خيارات عدة لأداء نائب الرئيس المعين أو رئيس الحكومة المكلف اليمين الدستورية، سواء أمام الرئيس هادي أم مجلس النواب، أم مجلس الشورى بعد توسيع عضويته”

النقطة الأخيرة وبطريقة أخرى تقول إنه إذا كان أداء القسم أمام هادي سيمثل مشكلة فيمكن تجاوزه واللجوء لمجلس النواب أو مجلس الشورى بعد توسيع عدد أعضائه ليمثل كل الأطراف اليمنية.

مقابل التضحية بهادي وحكومته وهي أيضا تضحية بأهداف الحرب المعلنة يأتي تأمين السعودية متمثلا بتسليم الأسلحة الثقيلة وهي إشارة للصواريخ الباليستية وكذلك نصت المبادرة على الانسحاب أطراف (المدن والقرى الحدودية السعودية) وهو بالمناسبة يمثل اعترافا صريحا بما تنكره السعودية حول توغل القوات اليمنية في جيزان ونجران وعسير.

 

وأشرنا في البداية ان الاستنتاجات لابد أن نقارن المبادرة الامريكية مع اجندات او القضايا التي تمت مناقشتها خلال مفاوضات الكويت.

مفاوضات الكويت وان فشلت في التوصل إلى حل سياسي إلا أنها كسرت كثير من الخطوط الحمراء، فلو أن المفاوضات لم تناقش مسألة تشكيل حكومة جديدة ولم تناقش ضرورة تشكيل مجلس رئاسي لكانت المبادرة الامريكية صادمة لصراحة ما تضمنته من اطاحة كاملة بهادي وحكومته ونائبه الأحمر، لكن نقاش تلك المسائل مثّل تمهيداً للمبادرة الامريكية لتكون حجم المفاجأة أقل مما كان سيحدث لو لم يتم مناقشة كل ذلك.

 

مرة أخرى وعند تغطينا هنا في المراسل نت لموقف حكومة هادي من المبادرة الامريكية قبل الكشف عن بنودها إعلاميا، استنتجنا سريعا أنه تم استخدام عناوين توحي بترحيبها بالمبادرة لكن ذلك الترحيب كان يحمل شروطا معاكسة وتؤكد ان الترحيب هو رفض في حقيقة الامر ولذلك تحاول حكومة هادي عبر بعض مسؤوليها وسفرائها أن تقول إن بنود المبادرة الامريكية التي نشرتها الـ BBC ليست صحيحة.

في المجمل يمكن القول إنه وبعد هادي يأتي حزب الإصلاح كأحد أكبر الخاسرين في المبادرة والمعادلة الجديدة والحرب برمتها لذلك كثف الإصلاح من بياناته ودعواتها التي تصب كلها في الدفع باتجاه خيار الحرب.

بالمقابل هناك في معسكر التحالف انقلاب على الإصلاح بهدف دفعه للقبول بالحل حيث حظي التفجير الانتحاري الذي استهدف مجندين في عدن باهتمام دولي كبير واستغلتها الولايات المتحدة للتأكيد على أن الاهتمام يجب ان ينصب على محاربة الإرهاب وهي ذريعة أمريكية تستخدم كلما ارادت واشنطن الانسحاب من أحد الملفات الدولية بعد ادراكها صعوبة السيطرة على الأمور.

وتزامنت الادانات الدولية لتفجير عدن مع حملة منظمة باسم الجنوبيين تطالب بالثأر من الإصلاح على خلفية تفجير عدن في اتهام صريح للإصلاح بالضلوع مع داعش في عملياته الإرهابية على غير العادة التي كان يجري توظيف التفجيرات لتبرير الفشل بالجنوب عبر تحميل الحوثيين وأنصار صالح بالوقوف وراءها، لكن هذه المرة وقف الإصلاح وحيدا يردد نفس الأسطوانة التي تقول ان “الانقلابيين” هم من يقف وراء التفجير.

 

أما السعودية فتتعامل مع المبادرة الامريكية من منطلقين، المنطلق الأول هو الرسمي والذي أصلا تريده السعودية واتفقت عليه مع السعودية للخروج من الورطة في اليمن عبر المبادرة تلك حيث يؤكد الاعلام الرسمي السعودي أن المبادرة أمريكية سعودية. أما المنطلق الثاني فهو محاولة غير رسمية للتظاهر بالوقوف مع الفريق الخاسر في المبادرة (هادي وحكومته) عبر توظيف بعض الأقلام السعودية التي تهاجم الأمريكيين باعتبار أنهم من عرقل الهجوم على صنعاء في سلوك يظهر وكأن المبادرة الأمريكية ملزمة للسعوديين.

من جانب آخر وانطلاقاً من رغبة السعودية في الخروج من الورطة فيبدو أنها قد سلمت بضرورة الحل وفشل العمليات العسكرية ولذلك أطلقت في الرياض ورشة للتحضير لما أطلق عليه مرحلة (التعافي وإعادة الإعمار ما بعد الصراع في اليمن) وهي مرحلة يبدو واضحا أنها إعلان بنهاية عاصفة الحزم وإعادة الأمل وأرادات السعودية الإعلان عنها عبر الإعلان عن التحضير لها في محاولة لتجنب الحرج الذي وقعت فيها عندما أعلنت في فبراير/شباط 2015 انتهاء عمليات عاصفة الحزم واطلاق إعادة الأمل معتقدة أنها قد انهت أهدافها لتكتشف ان ذلك لم يحدث وأصبحت “إعادة الأمل” منافية لمضمونها في الواقع.

ولا يمكن فصل الإعلان عن بنود المبادرة الامريكية عن انطلاق ورشة التحضير لمرحلة التعافي وإعادة الإعمار ولا فصل الاثنين عن مطالبة المبعوث الاممي إسماعيل ولد الشيخ اليوم في مجلس الامن بضرورة رعاية اتفاق جديد لوقف اطلاق النار وتفعيل التهدئة في الحدود، والذي جاء بدفع سعودي جراء الضغط الكبير التي يتعرض لها الجيش السعودي في نجران وعسير وجيزان بالعمليات الكبيرة التي تقوم بها القوات اليمنية (الجيش والحوثيون) مضافا الى ذلك تصعيد العمليات الصاروخية ضد المنشآت الحيوية السعودية هناك.

ويمكن القول ان الحوثيين أدركوا أن الضغط على السعودية في الحدود هو السبيل الأمثل لدفع العملية السياسية الى الامام ويبدو أنهم نجحوا في ذلك.

أخيرا سواء قبلت الأطراف كلها بالمبادرة الامريكية او رفضت من قبلهم او من قبل أحدهم فإن ما حملته يعد إدراكا من لاعب رئيسي (الولايات المتحدة) بصعوبة او استحالة عودة هادي وحكومته إلى السلطة بل وإعادة اليمن برمته للوضع السابق الذي كان خلال العقود الماضية تحت المظلة السعودية والأمريكية.

 

تنويه: يمنع إعادة نشر المادة او اقتباس أجزاء منها دون الإشارة الى المراسل نت

 

(2191)

الأقسام: الاخبار,اهم الاخبار,تقارير المراسل