سياسي سعودي معارض يكتب: دروس الهزيمة السعودية في اليمن

حمزة الحسن

 

اعتدت الرياض على اليمن وشنت الحرب، مفترضة أن أمامها (شرذمة) قابلة للسحق، وليس أمامها من حل إلا الإستسلام.الحرب العدوانية، وطريقة أدائها، ضاعفا قوة (أنصار الله/ الحوثيين) مئات الأضعاف! والسعوديون وبدلاً من ان يحاصروا (الشرذمة)، وجدوها قد أصبحت ممثلة للضمير اليمني والقناة الوحيدة للمواجهة والصمود.

تضخمت قدرات (أنصار الله) وقت الحرب، أو بفعل الحرب، عدداً وعدّة، ومكانة في النفوس، ودوراً في السياسة، وخبرة في كل المجالات.هذه الحقيقة لم يكتشفها آل سعود، ومجمل العالم إلا متأخرين. كيف حدث ذلك؟

العدوان السعودي لم يستهدف (أنصار الله/ الشرذمة بتعبيرهم)، بل كل اليمن، وكل اليمنيين. حرب ٢٠٠٩ السعودية على انصار الله الى جانب جيش علي صالح بقيادة الأحمر، كانت تجري في معظمها خارج المدن، بل كانت خارج التغطية السياسة والإعلامية وفي أراضي الخصم السعودي أحياناً كثيرة. حرب سلمان او عاصفته لم تستثن أي مدينة وأي مكوّن سكاني، وأي منشأة. استخدمت سياسة الأرض المحروقة!

بداية الحرب، تولى الطيران السعودي قصف كل شيء: المدارس والجسور وحتى السيارات والشاحنات بين المدن، فضلاً عن المستشفيات، بل والمقابر والمطارات والموانئ والمخازن فضلا عن المنشآت العسكرية. باختصار كان القصف لكل شيء. والضحايا ايضاً من الجميع. اكتشف اليمنيون سعودية اخرى لا يعرفونها!

طائرات العدوان لم توفر يمنياً من أي توجه سياسي او مذهبي.لقد وحّدهم العدوان أكثر. وهذه هي طبيعة الأزمات والحروب انها تقوّي الروابط في معظم الأحيان، خاصة وقت المآسي. لم يجد اليمنيون باباً حقيقياً للتصدي لال سعود سوى (الحرب). حتى ان سلفيين خاضوها واستشهد بعضهم تحت قيادة انصار الله.

ظهرت السعودية بوجهها القبيح في قصفها وقتلها العشوائي.لم يكن اليمني بحاجة الى معرفة ان المستهدف ليس (الشرذمة الحوثية) بل اليمن بكل مقدراته وشعبه. لم يكن (الحوثي!) بحاجة الى بذل جهد كبير لتفنيد زعم الرياض بأنها جاءت بعاصفة أمل وخير وبناء وعطاء.. فأفعال ال سعود الدموية برهان عكسي.

ولم يكن أنصار الله بحاجة (ولا هم قادرين أصلاً) الى تقديم اغراءات لشعبهم كي يدافع عن نفسه وأرضه وكرامته، وينخرط في الجبهات والقتال ضد المعتدي، اللهم الا (… حرض المؤمنين على القتال).

الحرب المجنونة خاصة في شهورها الأولى حسمت أمر الولاءات والاصطفافات. خسرت الرياض تقريبا كل شيء. الوجه العدواني الذي ظهرت به الرياض كان مفاجئاً. الإجرام كان كبيراً الى حد عدم التصديق. الكذب في الاعلام السعودي، كان حجمه صاعقا للأذهان.

كان لدى الرياض سمعة ومكانة بنتها على مدى عقود، وقد نسفتها نسفاً منذ الشهور الأولى من الحرب الدموية. وفي المقابل أصبح انصار الله رمزاً للتصدي واصبحوا القيادة الواقعية والميدانية والإدارية لكل شيء في الدولة اليمنية.

جاءت الحرب السعودية لتحاصر انصار الله وتقضي عليهم (مادياً) وتقتلهم (سياسياً) وتذبحهم (معنوياً).. فإذا بها تطير بهم وبتضحياتهم الى عنان السماء وتقلّدهم مفاتيح الدولة!

أرادت الرياض أن تُحدث صدمة تُذهل الخصم (وهو هنا اليمن بكل مكوناته) فكانت سياسة (الأرض المحروقة).

ما هي ارتداداتها عالمياً؟ حسبها السعوديون، أن لديهم الغطاء الإعلامي والسياسي الكافي لتبرئة أنفسهم. فمن سيهتم باليمني الفقير، مادام معكَ الإله الأمريكي؟! يستطيع السعودي ان يكذب وينفي.

لم يظهر أن السعودية كانت مُبدعة في شيء طيلة حربها العدوانية على اليمن. لم نرَ ابداعاً عسكرياً، ولا سياسياً، ولا إعلامياً، ولا إدارياً، ولا حربهم كانت في الأساس أخلاقية وانسانية. رغم تجربة حرب ٢٠٠٩ السعودية الفاشلة على انصار الله، فإنها لم تكن في واقعها جاهزة للحرب التالية ٢٠١٥.

أول درس لم يستفيدوا منه، أن الحرب مع (أنصار الله) ليست حرباً نظامية: أي دبابة مقابل أخرى، وطائرة مقابل نظيرتها، وجندي مقابل جندي! هذه حرب جيوش نظامية، واليمن اليوم لا يخوض حرباً على الطريقة السعودية ـ الأمريكية ـ الإسرائيلية، إذ له قواعده الخاصة في الحرب لا يمكن للمعتدي تجاوزها.

ثاني الدروس الواضحة، ان الطيران لا يحسم حرباً. عرفنا ذلك في اكثر من بلد: لبنان وافغانستان وغيره.لا بدّ من اشراك قوات بريّة. السعودي توقّع ذلك، وقال: نشتري جنوداً! تعالوا ايها اليمنيون قاتلوا! وتعال ايها السوداني والسنغالي وغيرهم قاتلوا وخذوا رواتب! صارت العقيدة القتالية: الفلوس!

من يضنّ بجنوده عن الموت، لا ينتظر أن يقاتل بالنيابة عنه أحد بجدّ، وأن ينتصر بجنود غيره او بمرتزقة! لم يكن للرياض أية ابداع سوى في (شراء مرتزقة) ووضعهم مقابل الجيش واللجان التابعان لصنعاء!وحتى لو كانوا احتلوا الحديدة ما كانت صنعاء لتسقط! وما كانت الحرب لتنتهي، بعكس ما كانوا يتصورون!

ظن آل سعود أن خصمهم خليّ من الخطط والإرادة واستجماع القوة والإبداع لكن ما ظهر كان سلسلة من المفاجئات بل المعجزات!

سياسي سعودي معارض

(183)

الأقسام: آراء,الاخبار,اهم الاخبار,عاجل

Tags: ,,,,,