في الذكرى السادسة لثورة 21 سبتمبر.. تحرير اليمن من الإقطاعيين خطوة أولى لإعادة بنائه والنهوض بواقعه الاقتصادي

تقرير خاص

لو لم يكن لثورة 21 من سبتمبر 2014م سوى تحرير اليمن من الاقطاعيين والفاسدين الذين تقاسموا خيرات البلد لعقود من الزمن، بينما ظل الشعب اليمني يعاني ويلات الفقر والجهل، لكان ذلك الإنجاز كافياً باعتباره الخطوة الأولى لإعادة بناء الوطن وتغيير واقعه الاقتصادي، وفق أسس ومعايير صحيحة تعيد الاعتبار لليمنيين وتحقق تطلعاتهم في بناء دولة قوية وعادلة، وقادرة على بسط السيادة على كامل الأراضي اليمنية وتسخير ثروات البلد لصالح أبنائه.

كان اليمن مجرد تابع أو حديقة خلفية لبعض الدول الإقليمية وعلى رأسها السعودية التي ظلت تشتري ولاءات الأنظمة المتعاقبة بعد ثورة 26 سبتمبر عبر ما يسمى باللجنة الخاصة وتمنح المرتبات والميزانيات الخاصة للمشايخ والنافذين وتمكنهم من كل خيرات اليمن مقابل إضعاف الدولة ومؤسساتها وتحويلها إلى كيان تابع ومسلوب القرار السياسي والاقتصادي.

فشلت ثورة فبراير من عام 2011م في تلبية طموحات الشعب اليمني الرامية إلى النهوض بوضعه الاقتصادي والمعيشي المرير الناتج عن سوء الإدارة وفساد الأنظمة الحاكمة جراء التدخل الإقليمي في مسار الثورة، إذ سرعان ما طرحت السعودية ما أسمتها “المبادرة الخليجية” من أجل توفير الحماية للفاسدين من قيادات الأحزاب، إلى جانب تقسيم اليمن إلى كيانات ضعيفة تحت مسمى الأقلمة، ليتسنى للسعودية وحلفائها تنفيذ مخططاتهم وأطماعهم في اليمن.

استمرت حكومة الوفاق أو ما تسمى “حكومة المحاصصة” التي أفضت عنها المبادرة الخليجية نحو ثلاث سنوات تغول خلالها الفساد في مفاصل الدولة، والتهم كل مقدرات البلاد وجعلها عاجزة عن الإيفاء ببرامجها وتعهداتها، بينما شهد اليمن خلال تلك السنوات الكثير من الأزمات الاقتصادية التي طاولت كل مجالات الحياة، وأدت إلى ارتفاع الأسعار وتراجع المستوى المعيشي لغالبية المواطنين.

انتهجت “حكومة الوفاق”، التي تشكلت في الأساس على تقاسم المناصب بين شركاء الفساد بدءاً بالوظائف العليا وحتى المستويات الدنيا، سياسة الجرع السعرية المفروضة من البنك الدولي بنسب مرتفعة وجائرة، انعكست سلباً على الفئات الفقيرة ومتوسطة الدخل، خصوصاً أنها تزامنت مع ظهور المزيد من الأزمات المعيشية والاقتصادية والخدماتية المفتعلة مثل استهداف الكهرباء وإخفاء المشتقات النفطية في سياق سياسة عقابية هدفها كسر إرادة الشعب اليمني الرافض للفساد، والذي ظل يعبر عن طموحاته من خلال المسيرات السلمية منذ عام 2011 حتى انتصار ثورة 21 سبتمبر 2014م.

في الـ 14 من شهر أغسطس 2014م دعا قائد الثورة، السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، أبناء الشعب اليمني إلى الخروج الثوري الواسع في مختلف المحافظات لتحقيق أهداف الثورة الرئيسة والمتمثلة في إسقاط الجرعة والحكومة الفاسدة وتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني المتوافق عليها، والتي قام الفار هادي لاحقاً بتعديلها وفقاً لرغبات السعودية وأمريكا رغم اعتراض القوى السياسية عليها وخصوصاً ما يتعلق بتجزئة اليمن إلى ستة أقاليم.

وبنجاح ثورة 21 سبتمبر تحقق لليمن وشعبه الكثير من المنجزات التي كان من أبرزها إسقاط مشروع تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم متناحرة، وتفويت الفرصة على الخارج في ركوب موجة الفوضى الخلاقة التي رافقت ثورة 11 فبراير لدعم الفساد والنهب وتغذية الكراهية والصراعات المذهبية، كما يحدث على الساحة الإقليمية ليتسنى له السيطرة على أجزاء كبيرة من اليمن ونهب ثرواته النفطية والسمكية، كما يحدث الآن في المحافظات الجنوبية المحتلة.

نصت وثيقة السلم والشراكة التي جاءت بها ثورة 21 سبتمبر على تشكيل حكومة كفاءات وشراكة وطنية، بالإضافة إلى محاربة الفساد واستعادة موارد البلاد من أيدي العابثين والناهبين، لتكون بذلك أول ثورة عربية حقيقية لتصحيح مسار ثورات الربيع العربي التي حولها الخارج إلى ورقة لإعادة تشكيل البلدان بأذرعه الفاسدة نفسها، ووفق رؤيته وأجنداته المشبوهة.

لم يكن ينقص اليمن الغني بثرواته الطبيعية والبشرية وموقعه الجغرافي الهام سوى الإرادة والعزيمة واستعادة قراره المسلوب، والانحياز المطلق إلى الشعب ومظلوميته اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً إلى جانب نصرة قضايا الأمة العربية والإسلامية وهي الأهداف والمبادئ التي انطلقت منها ثورة 21 سبتمبر 2014م وحولتها إلى استراتيجيات وخطط عمل واقعية، على الرغم من الحروب العسكرية والاقتصادية الشرسة التي تعرض لها اليمن منذ لحظة سقوط حكومة الفساد المرتبطة بالخارج.

اعتبر الطامحون إلى الهيمنة على اليمن ثورة 21 سبتمبر خطراً داهماً لا بد من مواجهته، ولكن تحت عناوين وذرائع غير واقعية كان من بينها تخويف الخارج من تبعات وصول أنصار الله إلى السلطة على أمن الملاحة البحرية في منطقة البحر الأحمر وباب المندب، والذي تحول إلى ذريعة لشن الحرب على اليمن في مارس 2015م، والإجهاز على ما لم يتسنَ تدميره عبر الفوضى والأدوات المحلية المرتبطة بالخارج.

ساهم الحصار والحرب الاقتصادية التي شنتها دول التحالف بالتزامن مع عدوانها العسكري على اليمن في إبطاء مسار التحول الاقتصادي المرسوم ضمن أهداف ثورة 21 سبتمبر نوعاً ما، غير أن الكلفة الاقتصادية الأكبر كانت من نصيب دول التحالف، بينما استغل الشعب اليمني الثائر سنوات الحرب لتطوير قدراته الذاتية في التصنيع العسكري، الذي مكنه من تنفيذ عمليات الردع في العمق السعودي وإصابة الأهداف الاقتصادية الحيوية داخل المملكة، والتي كان من أهمها منشآت شركة أرامكو النفطية وبالتالي مضاعفة خسائرها الاقتصادية.

وتماشياً من التطور الملحوظ في الإنتاج والتصنيع الحربي أطلقت حكومة الإنقاذ الوطني الكثير من الرؤى والاستراتيجيات والبرامج الوطنية التنفيذية للإنعاش والتعافي الاقتصادي، الهادفة إلى تشجيع الإنتاج المحلي في القطاعات الزراعية والصناعية والسعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي في غضون السنوات المقبلة.

تهدف الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة، التي أطلقتها القيادة السياسية في صنعاء، إلى نقل اليمن من حالة الفقر والبطالة والتخلف الإداري وتباطؤ التنمية والعجز المالي إلى واقع آخر يلبي تطلعات وآمال كل أبناء الشعب اليمني، من خلال برامج وطنية تنفيذية للإنعاش والتعافي الاقتصادي تم إعداها وفق رؤى ودراسات علمية وتشخيص دقيق للواقع الحالي في ظل العدوان والحصار، لتشكل خارطة طريق نحو مستقبل تنموي واعد في بلد مليء بالثروات والإمكانات والقدرات.

بالتزامن مع ذلك تبنت حكومة الإنقاذ الوطني واللجنة الاقتصادية العليا سياسات مالية واقتصادية فاعلة أسهمت بشكل مباشر في الحفاظ على سعر صرف العملة في المحافظات التي يديرها المجلس السياسي الأعلى، بينما واصلت الانهيار في المحافظات الجنوبية المحتلة، متسببةً في انهيار الوضع الاقتصادي واتساع دائرة المعاناة المعيشية والإنسانية للمواطنين في تلك المحافظات، إذ أفشل قرار اللجنة الاقتصادية العليا الخاص بإلغاء العملة “غير القانونية” رهان دول العدوان ومرتزقتها على الورقة الاقتصادية لإفقار الشعب اليمني وقتله جوعاً، من خلال الاستمرار في طباعة العملة بدون غطاء نقدي، بما يسهم في استمرار انهيار الريال اليمني أمام العملات الأخرى وإفقاده المزيد من قيمته الشرائية وبالتالي ارتفاع أسعار السلع الأساسية والخدمات وتفاقم المعاناة المعيشية للمواطنين.

وانطلاقاً من أهداف ثورة 21 سبتمبر حققت السياسات الاقتصادية والمالية لحكومة الإنقاذ الوطني واللجنة الاقتصادية العليا، وبإشراف مباشر من القيادة الثورية، الكثير من الإصلاحات الاقتصادية على الرغم من افتقارها للمصادر الإيرادية الأساسية المتمثلة بعائدات النفط والغاز والموانئ والمنافذ والثروة السمكية وغيرها، إلا أنها نجحت في تبني آلية لصرف نصف راتب لموظفي الدولة نهاية كل شهرين بشكل منتظم، بعد تنصل حكومة المرتزقة عن صرفها منذ نقل وظائف البنك المركزي إلى عدن في سبتمبر 2016م.

شملت الإصلاحات الاقتصادية تخطيط وترتيب أولويات الإنفاق وتوجيه جزء منها لدعم المشاريع الإنتاجية المعززة للاكتفاء والأمن الغذائي، وكذا إعفاء صغار المكلّفين والمشاريع الصغيرة والأصغر من كافة أنواع الضرائب، إلى جانب إعفاء مدخلات الإنتاج الدوائي والطاقة المتجددة من كافة الرسوم الضريبية والجمركية، بهدف دعم وخفض كلفة الإنتاج على المزارعين والمشاريع المتنوعة وتشجيعهم على توسيع دائرة الإنتاج.

تحت القصف والحصار يواصل الشعب اليمني السير في طريق البناء والتنمية وتحقيق النمو، من خلال الانتقال بالعمل الاقتصادي إلى طور متقدم يتجاوز التأثر والمرافقة إلى امتلاك القدرة على التخطيط والتنفيذ العملي والتأسيس لمستقبل اقتصادي ظل ينشده أبناء الشعب اليمني منذ عقود.

(25)

الأقسام: المراسل السياسي,تقارير المراسل