حلقة (1) | لعبة الملك عبدالعزيز مع قبائل السعودية

مستقبل أعمدة الحكم السعودي الثلاثية …على صفيح ساخن
المراسل : خاص
كيف يغير وليّ العهد من سياسات آل سعود تجاه القبائل بعد تسعة عقود ونيف ، هذا دون التطرق لدور القبيلة في دولتي آل سعود الأولى والثانية ، وما أسباب الغضب بين قبائل نجد، ومستقبل العقد الاجتماعي الجديد للمملكة كمجتمع يقوم على القبيلة ورجال الدين والأسرة الحاكمة؟
مملكة آل سعود
بالنظر إلى تاريخ تسمية مملكة آل سعود الحالية فقد كان عبد العزيز يتجنب صبغها بصبغة الأسرة الحاكمة لسنوات طوال فكان اسمها إمارة نجد والأحساء حتى عام 1921.
ثم اسم سلطنة نجد حتى عام 1922.
ثم سلطنة نجد وملحقاتها حتى عام 1926.
بعدها حملت اسم مملكة الحجاز وسلطنة نجد وملحقاتها.
وفي 1927 تغير الاسم إلى مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها دون ذكر لاسم الأسرة الحاكمة.
لكن في العام 1932 تم إعلان المملكة العربية السعودية بحدودها الراهنة.
حيث حملت النسخة الأخيرة اسم الأسرة التي انتصرت في النهاية على باقي القبائل فأخضعتها، أو تحالفت معها وهي أسرة آل سعود.
لقد توقف مؤسس الدولة السعودية الحديثة عبدالعزيز آل سعود طويلاً أمام ملف القبائل في نجد والحجاز. فهو يعرف أن قبائل البدو أداة للفوضى لو غضبت، وقد تكون قوة بيد من يُسخّرها إذا رضيت ، وتوصل عبدالعزيز والملوك بعده  إلى صيغة للتعايش، أقنعوا بها القبائل، أو أجبروها عليها.حيث لم تبايع كل قبائل شبه الجزيرة العربية لآل سعود بالولاء طائعين ، إذ لجأ آل سعود أحياناً لقوة السيف، وأحياناً بمساعدة بريطانيا في إخضاع كل تلك القبائل.
لعبة التعايش وتبادل المصالح.
بدأ عبدالعزيز آل سعود لعبة التعايش تلك بالمحاولة الأولى التي أراد بها تقديم صيغ ذكية بديلة للقبيلة التي كانت ومازالت تمثل قيمة عظمى لدى أفرادها .
ففي عام 1932 وجدت أسرة آل سعود نفسها تحكم شبه الجزيرة العربية، وتتحكم في عشرات القبائل الكبيرة والصغيرة.
وكان لا بد من التنسيق مع القبائل إما بالمال أو الجاه، وهو ما تنبه له الملك عبدالعزيز مبكراً، فعمل على مشروع “اجتماعي” ضخم سُمي توطين البادية، هو مشروع يهدف إلى تعليم أهل البادية الزراعة وتوطينهم في مجمعات عُرفت باسم الهجر.
قرر عبدالعزيز تحويل بدو نجد إلى مجتمع جديد قائم على “أخوة الدين” بدلاً من “أخوة القبيلة” ، وشكّل جماعة عُرفت باسم «إخوان مَن أطاع الله» أو الإخوان السعوديين لاحقاً. وقدمت تلك الجماعة فوائد للملك منها أنه أمن شر تمرد مكوّناتها.
هكذا، أصبح لدى عبدالعزيز للمرة الأولى احتياطيّ من رجال مستعدين دائماً للقتال، وأماكن تواجدهم معروفة وولاؤهم مضمون وباسم الدين.
لقد أراد عبدالعزيز أن يوهم تلك القبائل انها تخلت بمحض إرادتها عن رابطة القبيلة لصالح أخوة الدين وهدفه أن يأمن شرهم ، فلا اعتزاز بالقبائل، وحين كان الرجل يحاول الاعتزاز بقبيلته، كان الرد يأتيه منهم “نحن إخوان مَن أطاع الله، فُعرفوا بالإخوان”.
بحلول عام 1913، نجح ابن سعود في طرد العثمانيين من الأحساء، واعترف به الباب العالي حاكماً على نجد والأحساء، ولكنه كان يخطط للتوسع، ولم يكن بمقدوره أن يجند إلا عدداً محدوداً من رجال المدن والقرى، ولفترات وجيزة.
بعض القبائل وافقت على التوطن في الهجر ، وفي القرى التي انبثقت حول الآبار حيث كان العمل الزراعي ممكناً ،
وهي فكرة ابن سعود الأولى لإزاحة القبائل عن مواطن سكنها الأصلية التي تعني في نظره إضعافها وتشتيتها.
لقد كان المطلوب من القبائل أن تتخلى عن حياتها البدوية والتوطن في الهجر وممارسة الإسلام كما يدعو إليه “المطاوعة” من أبناء الحركة الوهابية، مع ممارسة العمل الزراعي.
على الجانب العسكري والسياسي شجّع عبدالعزيز آل سعود توطين القبائل لتطبيق التجنيد والخدمة العسكرية وسهولة السيطرة عليهم وقت الجد.
وبعد محاولات “الأخوان” التمرد ، واجههم ، وهزمهم الملك عبدالعزيز في معركة السبلة، عام 1929، وكتب نهايتهم بالدم؟!.
بعد أن اطمأن الملك عبدالعزيز على الاستقرار داخل قبيلته ، عمل على إضعاف “الانتماء القبلي” وذلك لضمان عدم تمرد القبائل عليه، فقام بعدة خطوات كان الهدف منها كما أشرنا خلخلة النظام القبلي، وتشتيت مراكز القوة العشائرية.
أموال وهدايا الملك
لقد كانت الخطوة الثانية لإضعاف القبيلة وسلب إرادتها تتمثل في مغريات الملك وأعطياته التي يسيل لها اللعاب آنذاك .
لقد منح عبدالعزيز شيوخ وكبار رجال القبائل الهدايا والأعطيات المالية، خاصة بعد اكتشاف النفط أواخر ثلاثينيات القرن الماضي .
توظيف الدين لسياسة عبدالعزيز
في خطوته الثالثة استغل الملك عبدالعزيز الدعوة الدينية وابتكر ما يعرف بوظيفة “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” والتي كانت تعرف بوظيفة “المطوع” وقتها ، وهي وظيفة وهمية استغل فيها الدين واشترى بها رجال القبائل لإقناعهم بترك أراضيهم للقيام بخدمة الدين!!.

الحرس الوطني الخاص
وكانت هذه الخطوة هي الأقوى في نظر آل سعود للقضاء على نفوذ القبائل نهائياً حيث  تأسس ما يعرف ب”الحرس الوطني لآل سعود”والمكلف بمساعدة الجيش السعودي ومراقبته؟!
إذ يدين الحرس الوطني بالولاء الكامل لآل سعود، ويختار رجاله من القبائل المركزية “أهل الثقة” والأكثر ولاءً لآل سعود ،منحت فيه كل قبيلة بحسب حجمها ألوية كاملة تسمى الأفواج، إذ تملك كل زعامة قبلية لواءً كاملاً من أبناء قبيلتها الموالين للنظام فقط. وتم تسليحه وتدريبه على أعلى مستوى، كي يكون أقوى من الجيش السعودي نفسه.بينما كان الجيش السعودي خليط من القبائل الأخرى.
تاريخ من الخلافات
مقابل هذه المعادلة المفروضة فإن لدى القبائل في السعودية الآن الكثير من المشاكل مع أسرة آل سعود.
هي مشاكل يعود بعضها إلى ما قبل تأسيس الدولة السعودية الحديثة.
ومشاكل أخرى متجددة، بتعاقب حكام آل سعود على مقاليد البلاد منذ أكثر من قرن من الزمن.
لكنها اليوم أكثر حدة مع تغير شكل ونظام المملكة المتدرج بوجود وليّ العهد الشاب محمد بن سلمان ، والذي نجح إلى حد ما في سحب البساط من تحت أقدام العائلة السعودية المالكة لصالح آل سلمان حصراً ، كما نجح في تقليل صوت المؤسسة الدينية السعودية ، لكن أمامه معضلة كبيرة تتمثل في القبيلة السعودية التي كانت جزء من الملك الذي يستولي عليه اليوم أمام أعين الجميع  وبمساعدة أمنية استخباراتية غربية.
طيش الولي الشاب
اليوم يعمد هذا الأمير الشاب إلى مايمكن ادراك أنه خلخلة للتوازن القبلي وضرب الأجنحة داخل الأسرة الحاكمة وتقويض المؤسسة الدينية.حيث غير قواعد التقديمات الشهرية التس تعرف ب”الشَّرْهات” ، المعتمدة منذ بداية تأسيس الدولة السعودية.
كما يقوم بتغيير الخريطة القبلية داخل الحرس الملكي ليغضب قبائل أخرى بمطاردة أبنائها بالاعتقال والمصادرة.
واليوم يعيد ولي العهد هذا صياغة العلاقة التاريخية بين أسرته الحاكمة، وبين قبائل نجد والحجاز، على ضوء كل ما تغير من موازين لعبة القوى عبر سنوات القرن الذي بدأ بتأسيس السعودية.

(13)

الأقسام: الاخبار,اهم الاخبار,مشَاهِد