صراع المركز بين آل سعود ونجد.. ثأر قديم بين آل سعود وقبائل الجزيرة

المراسل :خاص
اهتزاز توازن المملكة
تلك السياسة التي اتبعها عبدالعزيز في الحد من تأثير قبائل نجد والحجاز وقبائل الجزيرة ضمن جغرافية حكم المملكة ، كانت كفيلة باستمرار معادلة الحكم السعودي القائمة على التوازن والحذر .لكن ذلك اليوم لم يعد كذلك إذ تنذر تصرّفات ولي العهد تجاه شيوخ القبائل وقادة الأفواج في حرسه الوطني الذي قام بنقله وتشتيته مع احساسه بضعف ولاءه له ما أدى إلى اختلال كبير في هذه الصيغة التفاهمية بين القبيلة والنظام.
فبعد صعود الملك سلمان، صدرت أوامر باعتقال عدد من شيوخ القبائل، وإجبارهم على اتباع الخط الذي رسمه ولي العهد، وحرمانهم من الامتيازات التي اكتسبوها تحت ظلال الحرس الوطني.
غير أن الحملة التي هدفت إلى السيطرة الكاملة على الحرس الوطني؛ حتى لا يصبح مرتعاً لمعارضي ولي العهد، أثارت غضب قبائل كثيرة، كمطير، وعتيبة، وعنزة، وبنو عوف، وغامد، وبني هلال، ووصلت شكواها العام ٢٠١٧م ، إلى القصر الملكي؛ ما تطلب تدخل الملك سلمان شخصياً لتهدئة التوتر ؛ وهو من يعرف أن تأمين التوازن بين مختلف القبائل في المملكة هو إحدى الضرورات الرئيسة لتوطيد أركان حكمه.
لقد غضبت القبائل التي تشكل العمود الفقري للحرس الوطني، وتعتبر الدعامة الرئيسية للنظام في السعودية من تصرفات وطيش بن سلمان ، كما غضبت المؤسسة الدينية التي تعامل بالمثل بالقهر والإسكات.
ولإدراك قيمة قبائل نجد وشيوخها ورجال دينها لدى حكم ال سعود فيمكن ذلك من خلال معرفة حجم الزيارات التي قام بها ملوك آل سعود، لا سيما الملك الحالي سلمان، لزعماء القبائل، ورجال الدين، والبيوتات الكبيرة، والشخصيات النافذة في المجتمع النجدي تفوق بمئات الأضعاف زياراتهم لمناطق أخرى، وليس في ذلك سر.
حيث الدولة في وعي آل سعود والنجديين عموماً ، صناعة نجدية أولاً وأخيراً ، ولا بد من الحفاظ على حيوية “المركز” كي تبقى “الأطراف” خاضعة له.
نظام التقديمات الشهرية أو ما يعرف بـ”الشَّرْهات” المعتمدة منذ بداية تأسيس الدولة السعودية وضع في الأصل للقبائل النجدية، وهي مخصصات مالية يحصل عليها شيوخ القبائل من أجل كسب رضاهم وولائهم وصمتهم، وما زال النظام ساري المفعول مع بعض التعديلات ، لكن هذا بدأ يتضاءل إن لم نقل انتهى مع سطوة بن سلمان .
القبائل النجدّية، بعضها على الأقل، ترى نفسها شريك في المملكة ، وأنها قدّمت من أجله أغلى رجالها في حروب التأسيس تحت قيادة عبدالعزيز، مثل آل الثنيان، وآل جلوي، وآل الشيخ، والسديري، والتويجري، والزامل، والعنقري، والعطيشان، والراجحي ، والفوزان وغيرهم كثير.
هؤلاء استأثروا بالمناصب الحكومية باستثناء السيادية المخصّصة لآل سعود. وهناك وزارات باتت حكراً على بعض القبائل النجدية المتصاهرة أو المتحالفة مع آل سعود، وتقليص حصصها في الدولة ينعكس على ولاء القبائل للدولة وتحالفها مع العائلة المالكة.
ولطالما كان تحصين القبائل النجدية المتحالفة مع آل سعود إزاء أي شكل من أشكال التمرّد مكفول بالامتيازات المرصودة الثابتة والمستمرة لها، فماذا عن ذلك الولاء الآن. وقد مارس بن سلمان سلوك مخالف لسلوك حكم آل سعود .
حجم نجد الديني
في المجال الديني، فإن مشائخ نجد هم من يسيطرون على أكثر من 100 ألف مسجد ومُصلّى في أرجاء المملكة، ويمسكون بجهاز التوجيه الديني، خطابة وتعليماً. فهم حاضرون في مدراس، ومساجد، وجامعات  ومخيمات المملكة الصيفية، والمراكز الدعوية، والبعثات التبليغية…إلخ.
حتى أن الدعاة من ذوي الصوت المرتفع، والصيت الواسع لا يخرجون إلا من المجتمع النجدي ، ومع ما في ذلك من تعصب أهوج ومشوه ، إلا أنه يوحي بأن هناك نار تحت رماد كرسي حكم بن سلمان ، ليس من السهل تهميشها ، رغم كل ما يحدث من خلع لعباءة حكم المملكة القديم ، وفرض القوة على رجال القبائل والدين والزج بكثير منهم في السجون ، وتهميش أخرين.
المركز السعودي النجدي
ويمكن النظر إلى حملة بن سلمان ضد الأمراء والوزراء ووكلائهم تحت طائلة الحرب على الفساد، على أنها بمثابة معركة داخل المركز، ولا صلة لها بالأطراف، لأنها حرب بين أهل السلطة أنفسهم.
تعود أسباب الاعتقالات الموجّهة ضدّ شيوخ القبائل إلى عاملين رئيسيين:
الأول هو توجس ولي العهد من ولاء هؤلاء الشيوخ لأمراء آخرين من آل سعود، خصوصاً من كان يغدق الأموال والمناصب عليهم، وعلى قراهم التي يحكمونها.
والعامل الثاني ، محاولة بعض الزعامات القبلية صنع زعامة شعبية. خاصة تلك المنتمية لعائلات لها جذور في التمرّد القبلي القديم، أو من عائلات منافسة للأسرة الحاكمة.
الإجراءات المشدّدة ضدّ القبائل في السعودية لم تقتصر على اعتقال بعض الشيوخ المتمردين وذوي الصوت العالي فحسب، بل امتدت إلى قطع المنح والعطايا عن شيوخ قبائل بحجة العجز الاقتصادي.

منذ وصول محمد بن سلمان لولاية العهد توقّفت المنح والعطايا التي كان الديوان الملكي يمنحها بشكل سنوي لأمراء وشيوخ القبائل ، وهو ما زاد من حدّة الحنق على ولي العهد بين شيوخ القبائل الذين يرون أنفسهم صمام أمان البلاد، ووقوداً لحروب التأسيس الأولى.
ولمواجهة مسوغ الاصلاح والعجز الذي يسوقه بن سلمان لمنعه الاعطيات المالية للقبائل يرد شيوخ القبائل إن تلك المنح المالية لا تذهب إلى جيوبهم ، بل تذهب إلى فقراء القبائل في القرى الريفية البعيدة التي تعاني من الإهمال ونقص الخدمات ووعورة الطريق، ما يعني أنّ قطع المنح سيتسبّب بأزمة كبيرة لمجتمعات كاملة داخل البلاد حسب قولهم؟!.
القبائل الغاضبة من المؤسس والحفيد
في الواقع ان هناك عدة قبائل تعارض بطريقة أو بأخرى حكم آل سعود. بعضها يمتلك تاريخاً من التمرد والصراع مع حكام المملكة، منهم :
قبيلة شمّر: حين سقطت إمارة آل الرشيد في حائل
نجحت قبيلة شمر في تأسيس إمارة خلال القرن 15 انطلاقاً من جبل شمر في منطقة حائل شرق الجزيرة العربية، الموطن الأصلي لعشائر شمر المنتشرة اليوم في السعودية والكويت والعراق وسوريا والأردن.
حكمت القبيلة جبل شمر بين (1834-1921)، واستمر الصراع بينها وبين آل سعود حتى1921، حين عجز محمد الثاني بن طلال آل رشيد أن يصمد أمام الزحف السعودي، فدخلت القوات السعودية حائل في 2 نوفمبر/تشرين الثاني لتسقط دولة آل رشيد في حائل.
وكنوع من الاحتواء سعى سلطان نجد عبدالعزيز آل سعود في طقس عشائري إلى مصاهرة آل رشيد، فتزوج الأميرة فهدة بنت العاصي بن شريم زوجة أمير حائل السابق سعود الثاني آل رشيد.
وقريب من سياق الأحداث قتل الأمير محمد الثاني بن طلال آل رشيد في الرياض عام 1954 في ظروف مجهولة.
وفي العام 2003، أُعلن في الجزائر مقتل طلال بن عبدالعزيز آل رشيد، في حادثة إطلاق نار أثناء رحلة صيد.
طلال هذا كان شاعرا معروفا ذاع صيته في شبه الجزيرة العربية، وكان كثير الحديث عن أمجاد إمارة آل رشيد في شبه جزيرة العرب، وكيف تم الغدر بها من قبل آل سعود، وإن كان لم يصرح بها في كثير من الأحيان، إلا أن أبياته كانت تنضح بتلك الثأرية الكبيرة التي يحملها ضد آل سعود.
في غمرة الحملات على قطر، نشر القحطاني تغريدة أكدت مسؤولية نظام آل سعود عن مقتل طلال الرشيد، قبل أن يعود ويحذفها؟!.
قبائل الجنوب
وتمتد الإجراءات القاسية المتخذة ضد من يعارضون آل سعود، أو بشكل أدق “بن سلمان”، إلى جنوب السعودية أيضًا، في المحافظات التي تحد اليمن، حيث تواجه هناك الأقليات الدينية والقبائل_ التي تمتد أراضيها إلى اليمن أو حدودها، _الاضطهاد المستمر.
لم يبدأ هذا الاضطهاد بصعود “بن سلمان” إلى السلطة ولكنه يعود إلى عقدين على الأقل.كذلك سكان المنطقة من الزيدية والإسماعيلية.

(5)

الأقسام: الاخبار,اهم الاخبار,مشَاهِد