المحافظون الجُدد في أمريكا ودعم الإرهاب في الشيشان

المراسل|أنس القاضي

ترعى الولايات المتحدة الأمريكية الإرهاب في العالم بتمويل سعودي منذ عقود، بما في ذلك الارهاب الفاشي الذي مورس ضد الحركات اليسارية في أمريكا اللاتينية، قبل أن تنتقل الولايات المتحدة الأمريكية بالتجربة الإرهابية إلى الشرق الأوسط وباستخدام الوهابيين، هذه المرة.

في بادئ الأمر كان بمقدور واشنطون السيطرة على الجماعات الإرهابية، إلا أن هذه اللعبة الخطرة خرجت عن السيطرة، وأصبحت الجماعات الارهابية تمثل تهديدا فعلياً على الجميع بما فيهم  المواطنين الأمريكيين.

ورغم هذه الحقيقة التي ظهرت عليها داعش وما مثلته من خطر على الانسانية والسلم والأمن الدوليين، فلاتزال الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها المملكة السعودية تقومان برعاية الجماعات الإرهابية، وقد تجلى هذا الأمر بشكل صريح في توظيف تحالف العدوان للإرهابيين في حربهما ضد اليمن.

في ظهيرة 15 من ابريل عام 2013م وقعت تفجيرات إرهابية في مارثون للعدائيين بمدينة بوسطن الأمريكية، وحين تم الكشف عن هوية المتهمين وهم من أصول شيشانية، تم إضفاء الهوية الاسلامية على هذا الهجوم الإرهابي، وتناسى العالم مُساندة المحافظين الجدد في الولايات المتحدة للإرهابيين الشيشانين، كإستراتيجية اتخذتها الولايات المتحدة لإضعاف روسيا الاتحادية، كما تؤكد ذلك الكاتبة الأمريكية «كولين راولي» وهي العنصر السابق في الـ FBI.

تقول كولين: ((كنت على وشك أن أختنق بقهوتي وأنا أستمع لـ«رودي جولياني»، وهو يدّعي على محطة التلفاز الوطنية، بأنه مندهش من كون أي شيشاني مسؤولاً عن تفجيرات ماراثون بوسطن، لأنه لم ير أبداً أي دليل على أن المتطرفين الشيشان يحملون أي عداوة تجاه الولايات المتحدة. وجولياني يعرف تماماً كيف أن الإرهابيين الشيشان اثبتوا أنهم مفيدون للولايات المتحدة في الضغط على روسيا، مثلما فعل المجاهدون الأفغان، الذين استُخدموا في الحرب ضد السوفييت في افغانستان بين 1980 و1989. في الحقيقة العديد من المحافظين الجدد في أمريكا صادقوا على أنهم أصدقاء للشيشان ومن ضمنهم مدير الـ CIA الأسبق جيمس وولسي)).

في العام 2004 التزم المحافظون الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية بالحرب على الارهاب في الشيشان بعد دعمه، وكان هدفهم في حقيقة الأمر هو توسيع نطاقه، فشكلوا لجنة سُميت بلجنة السلام الأمريكية، وعلى الرغم من كون هذه اللجنة لجنة للسلام كما يبدو في ظاهر الأمر، فقد تكونت غالبية هذه اللجنة من أكثر الشخصيات العسكرية الأمريكية عدوانية، ومنهم على سبيل المثال:

ريشارد بيرل، مستشار البنتاغون المعروف.

إليوت أبرامس، المتهم بفضيحة إيران كونترا.

كينيث أدلمان، سفير الولايات المتحدة الأسبق في لندن، الذي ظل يحرّض على غزو العراق.

فرانك غافني، خبير عسكري من مركز السياسة الأمنية.

بروس جاكسون، ضابط استخبارات عسكرية سابق، ونائب مدير شركة لوكهيد مارتن للصناعات العسكرية.

جيمس وولسي، مدير الـ CIA الأسبق ومن المساندين الرئيسيين لخطط جورج بوش في إعادة تشكيل العالم الإسلامي حسب توجّهات الولايات المتحدة.

هذه اللجنة الإرهابية الأمريكية، التي سميت بلجنة السلام، وسّعت أعمالها من الشيشان إلى القوقاز وصارت “اللجنة الأمريكية للسلام في القوقاز”.

رودي جولياني التي تحدثت عنه الكاتبة كولين راولي العنصر السابق في الـ FBI. هو أحد السياسيين المتطرفين الأمريكيين المعروفين بالمحافظين الجُدد وكان ابرز المرشحين لرائسة الجمهورية في انتخابات عام 2008م، وهو سياسي فاسد على علاقة بالمنظمات الإرهابية، تلقى مئات الألوف من الدولارات من منظمة “مجاهدي خلق الايرانية” المعارضة للثورة الخمينية. ومثل رودي جولياني خط تواصل بين هذه المنظمة الإرهابية، وبين النخبة الحاكمة في الولايات المتحدة الامريكية.

في نيسان العام 2001م كشف شيون الصحفي البارز في جريدة النيوروك تايمز الأمريكية، عن قيام الـ FBI والمجتمع “المخابراتي الأمريكي بالتغطية والتضليل على المواطنيين، ليس فقط قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر، بل التغطية على عقد كامل من الممارسات الارهابية التي قادتها الولايات المتحدة الامريكية في مختلف دول العالم.

وما تزال كثير من الحقائق عن علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بالجماعات الإرهابية خفية وما هر منها غيض من فيض، حتى بعد كشف شينون عن مذكرة سرية تعود إلى نيسان عام 2001 تربط بين القائد الرئيسي للارهابيين الشيشانيين «إبن الخطاب» بـ«أسامة بن لادن» التي دعمته الولايات المتحدة اأمريكية في ثمانينات القرن الماضي، كمقاتل في سبيل الحرية.

مذكرة نيسان 2001 كانت قد قّدّمت إلى مدير الـ FBI لويس فريه وإلى ثمانية من مسؤولي الـ FBI البارزين في مكافحة الإرهاب. ومن المؤكّد أن مذكرات مماثلة قد اشتركت بها جميع دوائر المخابرات الأمريكية في نيسان 2001.

وبعد أيام من إعتقال الإرهابي “زكريا موسوي” في مينسوتا في 16 اغسطس 2001، أكدت المخابرات الفرنسية أن موسوي كان قد قاتل في الشيشان تحت لواء إبن الخطاب.

تطرح الكاتبة كولين راولي تفسيرها لهذه المعضلة فتقول: ” المسؤولين الأمريكيين سوف يرتبكون حين يتحول العميل السابق إلى عدو ضدهم أنفسهم. هذا ما حصل مع مجاهدي القاعدة الذين ارتبطت بهم واشنطن في ليبيا وسوريا ومن الذين فضّلتهم الولايات المتحدة في دعمها لغرض إسقاط نظام القذافي وبشّار الأسد على التوالي. هؤلاء المتطرفون مهيّئون لقلب اتجاه أسلحتهم الأمريكية بمجرد هزيمة العدو المشترك”.

 

صناعه الإرهاب، والتضليل عليه، وعسكرة المجتمع الأمريكي

لقد تم تضليل الرأي العام الأمريكي بشكل واسع. فبعد التفجيرات الإرهابية في مارثون العدائيين بمدينة بوسطن الأمريكية، عام 2013م أغفلت تقارير الصحافة الأمريكية الجذور التاريخية لحركة الجهاد الشيشاني، وعلاقاتها الواسعة مع الـ CIA. وذلك حين تم الكشف عن هوية المتهمين الذين هم من أصول شيشانية. فحقيقة الأمر هي أن حركة الجهاد الشيشانية هي من صُنع الاستخبارات الأمريكية الـ CIA، والتي أدّت ايضاً إلى نشوء الإسلام السياسي.

أن دور الـ CIA في دعم ما سُمي بالجهاد الإسلامي لأكثر المنظمات تعاطفاً مع القاعدة، هذا الدعم الأمريكي السخي موثق بصورة دقيقة، هناك ايضاً دلائل على أن مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكية الـ FBI نظّم وجنّد إرهابيين من داخل الولايات المتحدة للحرب في الشيشان.

لقد بدأ مخطط الـ CIA في نهاية السبعينات بتجنيد وتدريب الجهاديين، الذين أطلق عليهم آنذاك “المقاتلين من اجل الحرية” لشن الحرب ضد الحكومة الأفغانية الموالية للاتحاد السوفياتي. حينها اجتمع ريغان بقادة المجاهدين الأفغان في البيت الأبيض عام 1985.

ما سُمي بـ”الجهاد الإسلامي” أو الحرب المقدسة ضد السوفيت، كان جزءا من مؤامرة كبرى تقودها الاستخبارات الأمريكية الـ CIA . وكان للملكة الوهابية السعودية دور بارز في التمويل وفّرته من النفط وتجارة المخدرات في الهلال الذهبي.

ففي آذار 1985، وقّع الرئيس الأمريكي ريغان قرار الأمن القومي رقم 166 الذي تبنى رفع المساعدات العسكرية للإرهابيين، ومنذ ذلك الحين صار للحرب الأفغانية السرية هدفا سياسياً جديداً هو هزيمة القوات السوفيتية في أفغانستان. من حينها وصولاً إلى عام 1987 أرتفعت كميات الأسلحة الامريكية الممنوحة إلى 65,000 طن سنويا.. وتمّ تجنيد وتدريب عشرات الألوف من الشباب المسلمين من بينهم مقاتلون من الجمهوريات الإسلامية (والمناطق المستقلة) في الاتحاد السوفيتي.

قامت المخابرات الأمريكية بتجنيد واحتضان الإرهابيين منذ أكثر من ثلاثة عقود، في الوقت الذي تتمسك علناً بوجهة النظر الغريبة بأن هؤلاء الإرهابيين، الذين هم عملاء لوكالة استخباراتها المركزية يُشكلون خطرا عليها.

مصمّمو الحرب العالمية على الإرهاب صنعوا اتفاقاً جديدا خارج الدستور مع الشعب، ملايين الأمريكان أصبحوا يؤمنون بأن أداة الشرطة المسلحة مطلوبة لحماية الديمقراطية. وقلة قليلة منهم تدرك أن الحكومة الأمريكية هي المصدر الرئيسي للإرهاب محليّاً وعالمياً. فإعلام الشركات هو ذراع واشنطن الدعائية، التي تُظهر المسلمين كخطر على الأمن القومي. وفي هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ العالم وفي ظل أزماته الاقتصادية الاجتماعية فإن تفجيرات بوسطن تلعب دورا هاماً في تبرير الدولة القمعية البوليسية في أمريكا، ويتم تصوير الدولة البوليسية في الولايات المتحدة كوسيلة لحماية الحريات المدنية. وفي ظل ما يُسمى بمكافحة الإرهاب يُمارس القتل اللاشرعي ويتم تعليق الحريات المدنية والتعذيب كوسائل لحماية الدستور الأمريكي. وفي نفس الوقت، يُستخدم الإرهابيون كمساهمين في العمليات المموّهة لتبرير القيام بالحملة الصليبية العسكرية ضد البلدان الإسلامية، والتي تمثل في نفس الوقت البلدان الكبرى في تصدير النفط.

قائد المنطقة المركزية الأمريكية الأسبق، الجنرال “تومي فرانكس”، الذي قاد حرب غزو العراق عام 2003، كان قد حدد سيناريو يقوم على وقوع حادثة تسبّب خسائر جسيمة، على الأرض الأمريكية، ما يتضمنه تصريح الجنرال فرانكس هو الاعتقاد بأن وفيات المدنيين الجسيمة ضرورية لرفع الوعي وتحشيد الدعم الجماهيري الأمريكي للحرب العالمية على الإرهاب.

إذن فحوادث إرهابية، كبيرة، تسبب خسائر جسيمة، سوف تحصل، في مكان ما من العالم الغربي – قد تكون في الولايات المتحدة الأمريكية –تجعلهم يبدأون بعسكرة المجتمع الأمريكي من أجل تجنّب حوادث أخرى ضخمة، تسبّب خسائر كبيرة.

لقد استخدمت حوادث بوسطن أساساً لإثارة الدعم الجماهيري لبرنامج مكافحة الإرهاب في الداخل الأمريكي. الذي يُطبق مترافقاً مع الاغتيالات اللاشرعية ضد من يُسمون بـ إرهابيي الداخل.

سياسية الولايات المتحدة المضادة للإرهاب كانت قائمة منذ عام 2001 على قتل من يسمون بالإرهابيين في ما وراء البحار أو منعهم من التسرّب إلى داخل الولايات المتحدة. ولكن تفجيرات بوسطن أظهرت كم هي قوية تكتيكات الإرهاب بحيث تخترق الحدود بسهولة، مما يستدعي ان تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بمزيد من الاجراءات البوليسية للحرب على الارهاب في الداخل، وبالتالي الحرب على كل من يعارضها في الداخل باسم الارهاب.

 

 

 

 

 

(25)

الأقسام: المراسل السياسي,تقارير المراسل