“مبادرة أمريكية” للتغطية على خيوط الحرب وإدخال اليمن في مرحلة جديدة وصنعاء ترد

المراسل: نوح جلاّس

تحاول واشنطن في الفترة الراهنة اللعب على عامل الوقت لوقف تقدم قوات صنعاء في مارب المعركة الحاسمة التي من شأنها قتل الجسد الأكبر من الحرب المستمرة على اليمن منذ ست سنوات، وذلك بإعلان من يسمى “المبعوث الأمريكي الخاص باليمن تيم ليندركينغ” الجمعة الماضية عن رؤية أمريكية أسماها بـ”الخطة المتماسكة لوقف إطلاق النار”، غير أن مسمى الخطة يدل على أن واشطن تريد فقط أخذ وقت مستقطع لتمكين قوات التحالف ووكلاءها في مارب من التقاط أنفاساً جديدة تمنحهم البقاء لأكثر فترة ممكنة في ظل تسارع هزائمها، في حين ردت صنعاء وبقوة وفندت المقترح الأمريكي وعرته بعد أن كان “ليندركينغ” قد تحدث عن المقترح بشكل غامض، في تأكيد جديد على أن صنعاء اليوم باتت أقوى من الخضوع للإملاءات الأمريكية التي ظلت تسيطر على اليمن طيلة العقود الماضية.

وأعلن “ليندركينغ” لمجلس الأطلسي بعد زيارة للمنطقة عن أن واشنطن تمتلك “خطة متماسكة لوقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد بعناصر من شأنها أن تعالج على الفور الوضع الإنساني في اليمن مباشرة.. وهذه الخطة معروضة على قيادة الحوثيين لعدد من الأيام”، ولم يقدم مزيدا من التفاصيل غير إعلان موافقة السعودية على الخطة، وهو  ما يكشف ويؤكد أن التحركات الأمريكية تمثل الإرادة السعودية، سيما وأن الرياض رفضت عدة مبادرات سلام عادلة ومنصفة تقدمت بها صنعاء في أوقات سابقة، آخرها وثيقة الحل السياسي الشامل.

وقد أغفل المبعوث الأمريكي جانب دعم بلاده للتحالف السعودي بالأسلحة التي تعتبر المحرك الأساسي للحرب على اليمن، ولم يقر بأن وقف تدفقها للرياض يعني الإمساك بالخيوط الأولى للسلام، وهنا جانب آخر على أن المقترح الأمريكي ليس إلا مناورة سياسية لا تملك أي أهداف للسلام، وفي ذات الوقت تعتبر مراوغة والتفاف عسكري بغطاء دبلوماسي للوقوف أمام الضربات العسكرية المتتالية التي توجهها صنعاء لخصومها داخل الرقعة الجغرافية اليمنية والسعودية.

وفي زمن الاستقلال الذي تعيشه صنعاء بعد عقود من مصادرة القرار السياسي والعسكري، توالت الردود اللاذعة على المبعوث الأمريكي، لتؤكد صنعاء مجدداً أنها تخوض معركة التحرر والاستقلال في كل مراحل هذه الحرب.

المتحدث الرسمي باسم أنصار الله – رئيس الوفد الوطني المفاوض – محمد عبدالسلام رد على المبعوث الأمريكي في اتصال مباشر مع قناة المسيرة أكد فيه أن مقترح المبعوث الأمريكي مرفوضويسعى لوضع اليمن في مرحلة أخطر مما هي عليه الآن.

وقال عبدالسلام: “ما أسماه المبعوث الأمريكي بالمقترح لا جديد فيه ويمثل الرؤية السعودية والأممية منذ عام.. في المقترح لا وقف للحصار ولا وقف لإطلاق النار بل التفافات شكلية تؤدي لعودة الحصار بشكل دبلوماسي”.

وأضاف: “من الشروط المطروحة في المبادرة تحديد وجهات مطار صنعاء وإصدار التراخيص عبر تحالف العدوان، وأن تكون الجوازات غير صادرة من صنعاء.. لو كانوا جادين لوقف العدوان والحصار لأعلنوا وقف الحرب والحصار بشكل جاد، عندها سنرحب بهذه الخطوة”.

وتابع: “أن يأتي مبعوث أمريكي يقدم خطة أقل مما قدمها المبعوث الأممي فهذا غير مقبول.. ما لم يحصلوا عليه بالحرب والدمار لن يحصلوا عليه بالحوار.. فالعدوان والحصار لم يتوقفا ليوم واحد منذ 6 أعوام، فما هو المفهوم الأمريكي لإطلاق النار والحصار؟”.

وأوضح عبدالسلام أن “الأمريكيين بتقديمهم الشروط السعودية كمقترح لوقف الحرب أثبتوا مجددا أنهم يقفون خلف العدوان والحصار بشكل صريح.. لا يوجد أي تغيير حقيقي نحو إنهاء الحرب ورفع الحصار، وهذه الأمور بيد الطرف الآخر”، في إشارة إلى التحالف السعودي الإماراتي الأمريكي.

وجدد عبد السلام التأكيد على أن الأمريكيين “يريدون أن نستجيب بالحوار لما لم يحققوه بالحرب والحصار، وهذه الحقيقة يجب أن يدركها الجميع.. ما قاله المبعوث الأمريكي حول وصول المساعدات الإنسانية لليمن وعدم وصولها إلى مستحقيها سقطة كبيرة جدا، فالسفن النفطية يشتريها تجار يمنيون بأموالهم وتحصل على تصريح أممي ويأتي تحالف العدوان ليمنعها من الوصول تعسفيا”، مضيفاً “عندما لم يجدوا أي حجة للاستمرار في الحصار قالوا إنها لا تصل إلى مستحقيها”.

وختم المتحدث باسم الحوثيين بالقول: “نحن من يطلب توحيد الإيرادات في اليمن وصرف المرتبات، وهم يرفضون هذا الأمر، بل يريدون وضع الإيرادات تحت تصرف حساب خاص ومقفل يتحكمون به هم”.

إلى ذلك جددت صنعاء الرد أمس الأحد بتصريحات على لسان الفريق الركن جلال الرويشان نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن، حيث  قال في تصريحات لقناة المسيرة إن “المقترح الأمريكي حول اليمن لم يأت بجديد، بل احتفظ بأخطاء الإدارات السابقة في التعامل مع صنعاء من خلال الرياض”، مشيرا إلى أن هذا المقترح “يعبر فقط عن المصالح الأمريكية بالدرجة الأولي” ويؤكد على أن “الهم الإنساني ومصالح الآخرين آخر اهتمامات الولايات المتحدة”.

وأضاف الرويشان أن “الأمريكيين ومعهم الاوربيين معنيين بمعالجة الهم الأساسي وهو وقف العدوان ورفع الحصار عن اليمنيين ومن ثم تأتي طاولة الحوار” مشيرا إلى أن صنعاء ترحب “بأي دعوات واضحة وجلية للسلام مبنية على إنهاء الحرب ورفع الحصار”.

الفريق الرويشان بدوره أكد أن “الضجيج الدولي حول مأرب يعكس رغبة العدوان في عدم الوصول إلى نقطة فاصلة يصل من خلالها اليمنيون إلى حل سياسي”، موضحاً أن “معركة مأرب جزء من معركة اليمن الكبرى، والمواجهات في مارب مستمرة في صرواح وهيلان منذ بدء العدوان”.

وفي ظل كل هذه الإرهاصات فإن صنعاء تنظر إلى كل المبادرات التي تأتي من الأدراج الأمريكية أو الأممية، عبارة عن كلان مكتوب على ورق هدفه السامي الإيقاف المؤقت للحرب على اليمن بغية حصول التحالف ووكلاءه على فترة “سلام” يرتب فيها صفوفه وأوراقه، بعد أن بعثرتها صنعاء في ضربات صاروخية وجوية وعمليات برية في العمق السعودي وجبهات مارب التي أثارت حفيظة المجتمع الدولي، بعد سبات عميق دام ست سنوات من القتل والدمار والحصار.

(18)

الأقسام: اهم الاخبار,تقارير المراسل