أسرار الصراع في المنطقة العربية   … نظريات الولايات المتحدة ما بعد احتلال العراق.. هيمنة مطلقة على دول النفط

 

 

المراسل: عرض

للمقاوم الراحل أنس النقاش

في أسرار الصراع سنتحدث عن الحرب التي شنت على العراق، وعلى مراحل متعددة، بأبعادها وبُعد أسرارها، وأحببت أن أسميها حرب الظلمات لأن فيها من الضلال والأسرار الكثيرة، وفيها من الظلمات ما يتعدى الحقائق المعروفة، وفيها من الظلم للشعب العراقي ولشعوب المنطقة وللولايات المتحدة نفسها التي خاضت هذه الحرب وهي التي نظمت هذه الحرب وقادت هذه الحرب لأن نتائجها كانت عكسية على مصالحها كما شاهدنا في السنين والأشهر التي مرت أثناء الحرب وبعد الحرب وما زالت مستمرة بويلاتها على هذه الدولة وعلى هذا الشعب، وهذه الحرب بتقديرنا منذ بداياتها كان سيكون لها الأثر الاستراتيجي الكبير على الوضع العالمي كما أرادتها الولايات المتحد.

الولايات المتحدة اعتقدت أنها من خلال الحرب على العراق تستطيع أن تغير خارطة العالم وموازين القوى في العالم، يعني تغير العالم وتفصله بناء على مصالحها من خلال الانقضاض على العراق ومنطقة غرب أسيا بالتحديد، ولكن ردود الفعل والأثار السلبية لهذه الحرب أدت إلى نتائج لم تأتي في صالح الولايات المتحدة ولم تكن نتائج السلبية لتقف خارج الحدود الأمريكية، بل دخلت وتشعبت داخل الوضع الامريكي اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وتحولت إلى كوارث كما نتابع الاحداث التي تحصل في الولايات المتحدة وفي العالم، وللحديث عن هذا الموضوع لا يمكن الدخول إليه إلا من خلال البدء من المنطلق الأساسي وهو البيئة الاستراتيجية التي أحاطت بفكرة الحرب على العراق وبأهمية هذه الحرب بالنسبة للولايات المتحدة، والحرب لم تكن على مرحلة واحدة كما ذكرنا، بل أن المعارك الأولى فيها كانت عام 1991م، ومن ثم فترة أخرى من الحرب كانت فترة الاحتواء والحصار، والعقوبات على العراق، ثم المرحلة الثالثة ألا وهي مرحلة التحضير للحرب وذلك في العام 2001، ليأتي بعد ذلك العام 2003 قرار ضرب العراق واسقاط دولة الفي وتغيير طبيعة نظامه والتدخل في اعادة بناءه وتوجيه باتجاه المصالح الأمريكية منطلقاً من أجل رسم المنطقة كلها وليس فقط دولة بعينها.

في التسعينات عندما تورط العراق وأتخذ صدام حسين قرار الدخول إلى الكويت، كانت البيئة الاستراتيجية الدولية عنوانها الاساسي هو انحصار المعسكر الاشتراكي وبدء انهياره وبدء تقسيم الاتحاد السوفيتي وبالتالي كان هناك زلزال كبير يحصل في العالم وكان من الطبيعي كما شاهدنا بعد ذلك أن الخرائط الجغرافية لهذا العالم ستتبدل، ليس فقط في توجهاتها السياسية والاقتصادية بل ايضا بخرائط الجغرافية، وظهور جمهوريات ودول لم تكن موجودة بشكل مستقل أو كانت تابعة أو هي جزء من منظومة كبرى في المعسكر الاشتراكي، هكذا سقط حائط برلين، توحدت ألمانيا هكذا خرجت كل دول المعسكر الاشتراكي من بلغاريا ورومانيا والمجر وبولندا وغيرها من دول المعسكر الاشتراكي وتحولت إلى المعسكرالرأسمالي، والاتحاد السوفيتي أيضاً كان في العام 1991م في مقدمة ثورة وتفكك، وانحصار دوره كاتحاد سوفيتي إلى أن وصل إلى الفيدرالية الروسية المتعارف عليها اليوم، هذا الزلزال السياسي والاقتصادي الكبير، وظهور خرائط جغرافية جديدة، لأن ما قبل ذلك كانت الولايات المتحدة قد استقر الأمر بها على القبول بالان فينزون، يعني مناطق النفوذ التي كانت مقسمة بين المعسكر الاشتراكي والمعسكر الرأسمالي لم تكن الحروب تقام بينهم بشكل مباشر، كانوا يحترمون بشكل أو بأخر مناطق النفوذ الخاصة بهم وفي حال أرادوا تغيير بعض مناطق النفود كانت الحروب تجري بطريقة غير مباشرة بالبروكسي عن طريق قوى أخرى، وعن طريق قوى محلية وبصراعات محلية، ويتدخلون أحيانا سواء من قبل المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي أو الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة وحلفائهما ببعض الحروب من أجل اعادة موازين القوى والمحافظة على النفوذ المتعارف عليها في هذه المناطق.

ومع سقوط المعسكر الاشتراكي، لم يعد هناك مناطق نفوذ مقسمة في العالم، واعتقدت الولايات المتحدة أن العالم كله أصبح متاحا لها تتحرك فيه الولايات المتحدة كما تريد، بالطبع هناك بقايا من دول مستقلة، بقايا من دول كانت في طور التحرر بقايا من دول ما زالت تقاوم النفوذ الغربي وكانت تستفيد من وجود المعسكر الاشتراكي، للاستمرار في مقاومتها والاستمرار في سياستها المستقلة والغير خاضعة للولايات المتحدة، ومع ذهاب المعسكر الاشتراكي وسقوطه بشكل كامل، اعتبرت الولايات المتحدة أن هذه الدول قد أن الأوان من أجل أن تخضع لإرادتها وتخضع لمنظومتها وتخضع لتوجهاتها الاقتصادية وبالتالي تحافظ هي على مصالحها، وتوسِع نطاق عملها ومصالحها في العالم، ومن هذه المناطق غرب أسيا والتي تظم بلاد المشرق العربي، إيران، باكستان، ودول شمال أفريقيا إذ كانت هذه الدول بسبب قربها من الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي خارج السيطرة الأمريكية.

وبالتالي الآن بعد ذهاب هذا المعسكر الاشتراكي اصبح من الضروري اخضاعها وافهامها أننا اليوم نعيش في العصر الأمريكي والقطبية الواحدة، وقد كُتب عن هذه النظريات أن اليوم هو عصر القطبية الواحدة، العصر الأمريكي الباركس أمريكا امريكانا والقطبية الأمريكية وبالتالي علينا أن نثبت ذلك عملياً، في نفس الوقت هذه التغيرات الجيوسياسية الكبرى وموازين القوى الدولية، وكان هناك أشياء تحصل تتعلق بالنفط تحدثنا عنها في حلقات سابقة، ففي بريطانيا كان هناك تقرير في الإقتصاد البريطاني قبل الحرب الثانية على العراق تحدث عن النفط وعن إمكانية نفاءه في السنوات القادمة وان عام 2010م هو أخطر نقطة، حيث تتحول بريطانيا إلى مستورد، للنفط والدول الأوروبية تخسر جزء كبير من نفط الشمال وبالتالي علينا أن نجد طرق أخرى من أجل الاستمرارية في السيطرة على الشركات النفطية، في نفس الوقت كان النفط في الولايات المتحدة ينضب وبالتالي كان المطلوب التعويض عن هذا النقص الذي جعل الولايات المتحدة تتحول من بلد منتج أساسي للنفط في العالم إلى بلد يستورد النفط من الخارج، إلا أن هناك بعض الانواع الخاصة من النفط يتم تحويلها وتكريرها ولكن أصبح 50 % من النفط يستورد من الخارج.

وقد شاهدنا توجهات عسكرية في ذلك الوقت حيث تم نقل قوات وقيادات من أوروبا من أجل تشكيل قيادة أفريقيا وعُرفت باستراتيجية خليج قينيه لأنهم أصبحوا مهتمين جداً بالنفط الأفريقي الذي يمكن أن يُصدر من نيجيريا من دول أفريقية نحو الولايات المتحدة وبالتالي وللحفاظ على المصالح النفطية كان المطلوب ايجاد قيادة عسكرية سُميت قيادة افريقيا وايجاد قوات أمريكية متواجدة في قواعد في تلك المنطقة للحفاظ على مصالحهم، هذا معناه أن السياسات كانت ترسم بناء على المصالح الاقتصادية بغض النظر أن كان أحدا قد احتل دولة أخرى، أو أن زعيما موتورا قد تحدى الولايات المتحدة، أو كان ثوريا لا يريد أن يكون تحت مظلة الولايات المتحدة ولا تابعا لها بغض النظر عن كل هذه المسائل التي تأخذها الولايات المتحدة حجة للصدام مع أي دولة، الدول الافريقية لم تكن تمانع التواجد الأمريكي، ولكن الولايات المتحدة ترى أنه يجب أن يكون هناك قيادة عسكرية لأفريقيا من خلال قوات أمريكية وسميت هذه الإستراتيجية بخليج قينيه بهدف الحفاظ على المصالح النفطية في المنطقة، الاشارة لهذا الموضوع ضروري جدا لكي نعرف أن المسألة ليست من يستفز من، أو من قام بالخطوة الأولى، أحيانا الاطراف لا تتحرك لا تستفز لا تشن حرب لا تحتل أراضي، ولكن لأن لديها ما يحتاجه الأخر القوي تشن عليه الحروب وتتواجد على أراضيه القواعد أو القيام بانقلاب عسكري لقلب النظام لأنه لم يوقع العقد التجاري المطلوب لاستخراج النفط كما تريده الولايات المتحدة، أو كما يحفظ مصالح الشركات النفطية …الخ.

وتسليط الضوء على هذه الموضوع ضروري جدا لنعرف طريقة التفكير والتعامل الأمريكي تجاه هذه المواضيع، ولكن ما حصل في العراق أن حجة اضافية اعُطيت للولايات المتحدة للتدخل في المنطقة وقد بُنيت هذه الحجة بتفاصيلها لكي تكون الفخ الذي يقع فيه العراق، او التوتير الذي يوتر العراق لاتخاذ الخطوات الخاطئة ليبرر عملية التدخل بلعب دور الشرطي العالمي للدخول إلى المنطقة من الابواب الواسعة تحت أبواب تحريرها.

الذي حصل بمجرد أن انتهت الحرب العراقية الإيرانية كان العراق قد خرج بخسائر مادية كبرى، وعليه ديون كبرى يجب أن يدفعها لدول خليجية التي اقرضته أثناء هذه الحرب، وفي نفس الوقت كان سعر النفط قد سقط إلى ما أدنى العشرة دولار وأحيانا 12-13 دولار للبرميل وهذا يعني انخفاض كبير بالميزانية العراقية وفقدان لموارد كبيرة في الموارد المالية للحكومة العراقية التي كانت تحتاج إليها بشكل كبير من أجل إعادة اعمار ما خسرته في الحرب واعادة تنشيط الحركة الاقتصادية، أنخفاض أسعار النفط لم تكن صدفة بعد أن وصلت في أيام قبل الحرب العراقية الإيرانية إلى 35 دولار للبرميل الواحد، هذه كانت سياسة موجهة من الولايات المتحدة طلبت من المملكة السعودية ودول خليجية زيادة الإنتاج بكميات كبيرة من النفط من أجل أن يتراجع سعر النفط ليس من أجل أن تستفيد منه الولايات المتحدة والشعب الأمريكي على محطة الوقود بل من أجل الضغط على ميزانية روسيا التي كانت تخوض حرب في افغانستان ونحن نعرف أن الميزانية الروسية كانت تؤمن الدولار من خلال بيع النفط ثم بعد ذلك بيع الغاز وبالتالي الدولة الروسية الاتحاد السوفيتي المصدر للنفط إلى أوروبا ولدول أخرى كان يجب ضربه بميزانيته.

كما أن إيران التي كانت تخوض هذه الحرب دفاعا عن نفسها كان يجب إفقارها من خلال ضرب سعر النفط فانخفض من 35 دولار إلى الى 20 دولار وهذه بالمعلومات كانت كلها ايرادوية ليس لها علاقة بالعرض والطلب كان العرض مقصود أن يكون زائد عن الطلب من أجل أن تنخفض الاسعار وتُضرب هذه الميزانيات، انتهت هذه الحرب وتحول العراق الذي كان يملك احتياط بالدولار من 30-35 مليار دولار قبل الحرب إلى بلد مديون بما يفوق إلى 90 مليار دولار، لجيرانه من دول الخليج، في نفس الوقت الذي اثار الحرب أن الكويت بدأت تنتج نفط من حقل الروميل المختلف عليه مع العراق، كما أنهم رفضوا تخفيف الانتاج بشكل عام ليس فقط من هذا الحقل، كذلك السعودية وغيرها رفضوا تخفيف الإنتاج لترتفع الأسعار ولا يستطيع العراق أن يرد ديونه إلى هذه الدول.

أزمة الديون وأزمة اسعار النفط واستمرار استغلال حقل الروميل المشترك المختلف عليه، كان المبرر للعراق لدخول الكويت واحتلال الكويت وهي غلطة استراتيجية لأنه كمت ذكرنت بالمقدمة أن العالم كان يتبدل وتتغير الخرائط، لكن مع هذه التبدلات والتغيرات في الخرائط وظهور دول لم تكن موجودة وأخرى جرى تقسيمها ودول خرجت من تحت نفوذ المعسكر الاشتراكي، هذا يعني أن اللذي حصل كان لمصلحة الولايات المتحدة وحلفائها وبالتالي لم يكن من المقبول لدولة خارج هذه السيطرة أن تحتل دولة أخرى بمعنى أن تقوم بعكس النتائج التي كنا نشاهدها، بأن يحتل العراق الكويت، والكويت معروفة أنها مصدر من مصادر الطاقة والنفط للعالم وخاصة الولايات المتحدة والدول الأوروبية وبالتالي ما فعله العراق لم يكن إلا عكس التيار السائد في ذلك الوقت من تغير في الخرائط وبالتالي ارتكب خطأ استراتيجي اوقعته فيه الولايات المتحدة من خلال المعلومات التي كُشفت في ذلك الحين عن دور للسفيرة الأمريكيه غرايس بي التي أعطت اشارة على أن الصراع ما بين العراق والكويت هو صراع ما بين العرب لا تتدخل فيه الولايات المتحدة وكأنها تقول للرئيس صدام حسين اذا اشتبكت او تقاتلت مع الكويت لا يعنينا.

ولكن بمجرد أن دخل الكويت اصبح الوضع استراتيجي مخالف تماماً واستطاعت الولايات المتحدة أن تجمع تحالف دولي ضم دول عربية لحرب العراق وتحرير الكويت وبالتالي تظهر الولايات المتحدة أنها محررة للكويت وشرطي المنطقة وبالتالي دخلت بالموازين الاستراتيجية الجديدة للمنطقة على أساس أن تصبح منطقة نفوذ أمريكي خالصة. ونسينا أو يجب أن ننسى أن هذه المنطقة كان البعض منها يعيش ضمن تحالف مع الاتحاد السوفيتي يشتري أسلحته من الاتحاد السوفيتي، يمارس سياسة متمردة أحياناً أو مستقلة عن الولايات المتحدة، يزعج جيرانه الذين هم حلفاء أساسيون للولايات المتحدة، كل هذا انتهى، يجب الآن اعادة ترتيب الأوراق وهذا الرسالة لم تكن فقط للعراق بل أيضا لجيرانه بشكل خاص، خاصة أنه أثناء انحصار المعسكر الاشتراكي وتورط الاتحاد السوفيتي في حرب افغانستان، حدثت الثورة الإسلامية في إيران هذه الثورة عندما انطلقت وانتصرت عام 79 م ادت إلى زلزال عالمي وزلزال في المنطقة ضمن نظرية الانفيزونينق نكون قد أخذنا دولة تعيش بإرادتها وقيادتها وسياساتها واستراتيجياتها ضمن النفوذ الأمريكي بالكامل في عهد الشاه والانتقال إلى دولة معادية للولايات المتحدة، ترفع شعارات التحرر من سيطرة الولايات المتحدة، تتهم الولايات المتحدة أنها أجرمت بتاريخ الشعب الإيراني والاشتراك مع بريطانيا بسرق ثروات الشعب الإيراني وبالتالي انتقلت هذه الدولة التي كانت تابعة للنفوذ الأمريكي إلى أن تكون دولة معادية للنفوذ الأمريكي، ليس فقط على أرض أيران ولكن بشعاراتها ومواقفها والتزامها بالقضية الفلسطينية أصبحت تؤسس لنفوذ ودور معاكس للنفوذ والدور الأمريكي، لذلك أرادة الولايات المتحدة من خلال ضرب العراق تحقيق هدفين الأول هو إخضاع العراق، والثاني إثبات نظرية أن المنطقة يجب أن تخضع للولايات المتحدة وعلى أن تكون تابعة لنفوذها.

وبعد إخراج العراق من الكويت تحولنا في مرحلة الرئيس كلينتون الجديدة لمرحلة الاحتواء وتوجيه الضربات في المناسبات، وفي أثناء حرب تحرير الكويت حدث أن جزء من الشعب العراقي اعتقد أن الجيش العراقي أصبح مفككاً مهزوماً وبالتالي كان يمكن أن يقوم بانتفاضة ضد النظام الدكتاتوري في ذلك الوقت والمستبد وكان يعتقد أنه سيجد دعما من الولايات المتحدة التي كانت تحارب هذا النظام، ونتذكر أن الدعاية والاعلام الغربيين والولايات المتحدة خاصة وحلفائها كانوا يحرضون المعارضات في العراق على النظام العراقي في ذلك الحين وبالتالي اعتقد البعض على أنهم أن قاموا بانتفاضة فانهم سيحصلون على الدعم، والذي حدث كان العكس، فعندما انتفضوا ضد النظام تركوهم ولم يدعموهم ولم يحموهم بل أن طائرات الهيلوكوبتر وبالاتفاق بين الحكومة العراقية في ذلك الوقت مع الولايات المتحدة كانت قد أعُطيت الضوء ألأخضر بحيث تستطيع أن تطير فوق المدن العراقية، وبالتالي قُمعت هذه الانتفاضة وهنا دخلنا في مرحلة جديدة من اللاستقرار في العراق، سنتحدث عنها بقليل من التفصيل في الحلقة القادمة.

 

(34)

الأقسام: المراسل السياسي,المراسل العالمي,المراسل العام