مسألة محسومة.. بقلم: مصطفى أمير

حينما بدأ العدوان على اليمن، يبدو الأمر الآن كما لو أنه حدث منذ عهدٍ سحيق! أعلنت نصف الدول العربيّة تحالفها مع السّعوديّة!

أتمنى أن تكون ذاكرتك حديديّةً لتتذكر كيف أن جامعة الدول العربية آنذاك، وفي شرم الشّيخ، ارتدت خلخالها، كعادتها! تبعتها منظمة المؤتمر الإسلامي، وكانت اليمن وحدها آنئذٍ، رافعةً رأسها في أقصى الخريطة، لم تُحنِهِ.

ثمّ..

في الوقت الذي وصل فيه اليمنيّ الشّجاع إلى أعلى جبال نجران، وكان التّاريخ وقتها إلى جواره، يقفان معًا في أعلى قمّةٍ للفخر، وتحت أقدامهما كان يمكنك مشاهدة كرامة بن سلمان، وماء وجه التّحالف العربي، جمجمة أمين عام جامعة الدّول العربيّة، وأمساخًا كثيرةً تستعصي على الحصر.

لهذا، ولأن الأذلاء أرخص وأحقر قيمة، وحينما همّ اليمنيّ الشّجاع بإحراق كرامة كافّة العرب الذين وقفوا ضدّه في هذه الحرب، فإنّه لم يجد أرخص من ولاعة سجائر للقيام بهذه المهمة.

هل كان محقًّا؟

بالتأكيد! بعد ثلاثةٍ وتسعين يومًا من طوفان الأقصى ستفهمون كم كان اليمنيّ حكيمًا وبعيد النظر! فقيمة كرامة جامعة الدّول العربيّة أرخص من قيمة ولّاعة سجائر.

أمّا في القرن السّادس الميلادي، حينما ذهب إبرهة لهدم الكعبة، فقد كان دليله أعرابيٌّ من هُذيل، القبيلة ذاتها التي ينتمي إليها عادل الجبير؛ ( هل تذكرون هذا الإسم؟!)!

ولمّا وصل إبرهة إلى مشارف مكة تفرّق القُرشيّون في شعابها، تركوا بيت الله الحرام وحيدًا، ومع استثناءاتٍ نادرةٍ لم يقف عربيٍّ واحدٌ في طريق إبرهة.

لقصّة الفيل فائدتين إذن:

الأولى: أن الله يتكفّل بحماية بيته الحرام.

الثانية: أنّك، فيما لو قررت تخريب الكعبة، فلن يقف في طريقك عربيٌّ واحد، ما دمت قويًّا.

نعم، ستلحقك لعنة السّماء، لكن العرب القاطنين في الأرض سيهربون إلى الشّعاب إذا كانوا يستحون، ثمّ ينتظرون نهاية المشهد. وهذا- بالطبع وفقط- إذا كانوا يستحون!

فقد وصل الحجّاج بن يوسف ذات يومٍ إلى أطراف مكّة، هناك حيث تحصّن عبدالله بن الزّبير، قصف البيت الحرام بالمنجنيق، تصدّع جدار الكعبة، عاد إلى بيته، حكم العراق إلى ما شاء الله، ولم ينبس أحدٌ ببنت شفة.

مرّت بعد حادثة الحجّاج مئات السّنين، ثمّ سقطت رافعةٌ فوق جسرٍ يمرّ فوق البيت الحرام! مات أناسٌ في باحة الحرم، ولو سقط الجسرُ لسقط البيت، قبلة المسلمين، اتّضح فيما بعد أن الحادثة مُدبّرة، ولم تقل جامعة الدول العربية أن ما حدث أمرٌ مشين.

وفي فترةٍ ما، في العصر الأموي، كان الوليد بن يزيد يشرب الخمر، تأخذه النّشوة فيضرب المصحف بالسّهام، يمزّقه، يقول شعرًا قبيحًا في كافّة مقدّسات المسلمين.

ولأنّ الوليد كان في ذلك الوقت هو الخليفة، فقد كان الفقهاء يقولون بأنّ طاعته واجبة.

وكان النّاس يقولون آمين.

مرّ وقتٌ طويل بعد وفاة الوليد، وسقطت القدس، ثمّ كان أن مات بيريز صاحب مجزرة قانا، ذهب العربُ الأذلاء للبكاء عليه، عباس بالذّات- والسفير المصري- كانا يبكيان بحرقة.

صعد نتنياهو فيما بعد إلى المنصة، رحّب بالحاضرين جميعًا، التفت نصف التفاتةٍ إلى جيرانه العرب، قال بهدوء العارفين:

عفوًا.. وجودكم غير مُرحّبٍ به.

هؤلاء هم أذلاء العرب.

يمكننا سرد حكاياتهم حتّى الصّباح،

وهي بالمناسبة سلسلةٌ طويلةٌ من الحكايات المُخزية.

فحينما دخل المغول إلى بغداد، كانوا يمارسون رياضة الركوع أمام هولاكو، وحينما ذهبت أميركا إلى بغداد كانوا أيضًا يمارسون الرياضة ذاتها، حينما دمروا ليبيا ومزقوا سوريا ويتحشّدون على العراق واليمن، كانوا- بالطبع- يمارسون الرياضة ذاتها!

في تموز ٢٠٠٦ ومنذ أكتوبر ٢٣م، إنهم عبر التاريخ يمارسون الرياضة ذاتها، ولهذا فقد تخشّبت فقرات عمودهم الفقري، تمامًا! ولو انتصبوا يومًا واحدًا- لا سمح الله- فإن فقراتهم القطنيّة تتمزق!

الأذلاء إذن، حتى بتكوينهم الجسماني، لا يستطيعون رفع رؤوسهم! هم كالبغال وكالحمير… لتركبوها، وزينة!

هم فقط، بين الفينة والأخرى، يجتمعون صفًّا ضدّ العرب الآخرين، الذين لا يركعون.

ولهذا فقد اجتمعوا علينا لتسعة أعوام، على حزب الله في كلّ مناسبة، يدفعون – في ٢٠١٤م-  تكاليف العدوان على غزة، ويصطفّون- في ٢٣- مع نتنياهو لكسر غزة، لتجدنّهم- لو أمعنت- أحرص منه على ذلك!

وما الذي سيفعلونه بعدُ؟

حسنًا! ما يفعلونه كلّ يوم يا عزيزي!

فقد حدث في بدايات القرن العشرين أن ثارت مشكلة الحدود بين أمراء الصحراء، نفد صبر السّير بيرسي كوكس، المندوب السّامي البريطاني، جمعهم في منطقة العقير، عنّفهم، كان عبدالعزيز آل سعود بالذّات يبكي أمام المندوب السّامي مثل طفلٍ عنّفهُ أبوه، فيما بعد أخذ السير بيرسي كوكس عصًا، رسم خطّا على خريطةٍ مرسومةٍ على الرّمال، وقال للجميع:

هذه حدودكم، فانصرفوا.

يمكننا سرد حكاياتهم حتّى الصباح، وحتى ألف صباح!

لكنهم  سيذهبون  في خاتمة المطاف إلى قعر الذاكرة، سيذهبون راكعين، رؤوسهم إلى الأرض وطريقهم إلى المزابل!

فيما سينفجر الكيان القذر، انفجارًا هائلًا دفعةّ واحدة، كلّ  شظيّةٍ إلى دولة المنشأ،

اليهوديّ الغاصب، بالمناسبة، يعرف هذه النهاية جيّدًا،

ويعلم أنه لا يملك في هذه الأرض شيئًا، باستثناء جوازه الأوّل!

جوازه الأول الذي سيكون، في يومٍ قريبٍ بإذن الله، قاربه الوحيد للنجاة من الطوفان!

وهذه مسألةٌ محسومة.

(0)

الأقسام: آراء