أمريكا بين القلق والمؤامرة.. عالم أسود بحجم البيت الأبيض

خاص | المراسل – عمار الشامي

تظل معايير “الهيمنة العالمية” أبرز أدبيات الإدارة الأمريكية وأفظع طموحاتها، وتبقى جميع الأسلحة الأمريكية مشروعةً، أياً كان شكل تلك الأسلحة. إنها واشنطن وهي تثبت كفاءتها القصوى في المراوغة ووأد الشفافية وصناعة الموت، فقط في سبيل إحلال عالمٍ أسود بحجم البيت الأبيض.

اصطلاح “المؤامرة” كان هو لغة التعاطي مع انتشار فيروس كورونا المستجد الذي غزا العالم بدءاً من مدينة ووهان الصينية وانتهاءً بكل دول عالَم القرن الحادي والعشرين. ما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت واشنطن بالفعل قد صنعت هذا الفخ البيولوجي ثم وقعت فيه كما ينقلب السحر على الساحر، أم أن دول العالم – بما فيها الصين – تصنع الافتراءات ضد أمريكا العظمى.

مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام العالمية والعربية انفجرت باللهجات الحادة إزاء نظرية المؤامرة المصاحبة لتطوير الفيروس المميت، في ظل تراشُق أمريكي صيني بالاتهامات الصريحة تأتي متزامنةً مع حرب اقتصادية وإعلامية بين الدولتين.

حيث نشرت بعض وسائل الإعلام الغربية كقناة فوكس نيوز وديلي ميلي تصريحات متضاربة عن وجود مختبرات في الصين بشكل تم تفسيره عن أن الصين مسؤولة عن تطوير الفيروس، في المقابل حفلت بعض المواقع الصينية باتهامات من مسؤولين صينيين للولايات المتحدة بالأمر ذاته.

إلا أن التقارير تثبت على قدم وساق أن الولايات المتحدة الأمريكية تقف وراء الحرب البيولوجية الراهنة على اعتبار أن الإرهاب البيولوجي هو عمل إرهابي ينتج عن إطلاق متعمد لعوامل بيولوجية شديدة الإمراض بما في ذلك أنواع الكائنات الحية الدقيقة أو السموم البيولوجية.

وكانت وكالة رويترز في تقرير لها الشهر الماضي، كشفت أن الولايات المتحدة قامت بخطوة مثيرة للريبة في الصين، قبل انتشار فيروس كورونا، حيث قامت إدارة الرئيس دونالد ترامب قبل أشهر عدة من تفشي كورونا بإلغاء وظيفة هامة بمركز أمريكي للصحة العامة في العاصمة الصينية بكين، كانت تهدف للمساعدة في الكشف عن تفشي أمراض في الصين.

وما يدعو للريبة أكثر – بحسب ذاك التقرير – أنه عندما انفجرت حالات المرض بأرقام كبيرة في الصين، قامت إدارة ترامب فبراير/شباط الماضي، بمعاقبتها على فرض الرقابة على المعلومات حول تفشي المرض، ومنع الخبراء الأمريكيين من دخول البلاد للمساعدة.

الصين التي استطاعت مؤخراً التعافي من المرض، أكدت أن بيدها حقائق حول أن أمريكا هي المصدر الأساسي لجائحة فيروس كورونا وأنها عملت على نشره في الصين من خلال عملاء وكالة المخابرات الأمريكية المركزية “سي آي إيه”، بما في ذلك تصريح المتحدث باسم الخارجية الصينية “تشاو لي جيان” الذي أكد أن الفيروس اختُرع وطُوِّر من قِبل علماء أمريكيين عام 2015.

أشار المتحدث الصيني أيضاً إلى بحثٍ نشرته مجلة Nature Medicine الأمريكية في ذلك العام، 2015، يقول إن علماء أمريكيين تمكنوا من الحصول على نوع جديد من فيروس كورونا له تأثير خطير على الإنسان، وإن جنوداً أمريكيين شاركوا في دورة الألعاب العسكرية العالمية التي جرب بمدينة ووهان الصينية التي تنافس فيها 10 آلاف عسكري من مختلف أنحاء العالم في أكتوبر الماضي هم الذين نقلوا الفيروس إلى المدينة.

ويورد موقع iuvmpress أن الولايات المتحدة الأمريكية أنشأت مختبرات بيولوجية في أجزاء كثيرة من العالم معظمها حول الصين، معللاً ذلك بأن الأمريكيين يبدو أنهم ملزمون بسلسلة من الاتفاقات ولكن لمنع الكوارث في بلادهم قاموا بنقل هذه المختبرات خارج الأراضي الأمريكية ونقل الفيروسات البيولوجية بشكل متكرر إلى أجزاء أخرى من العالم.

وبالخروج – قليلاً – عن إطار فيروس كورونا، يلاحظ المتابع أن الاعتقاد بنظرية المؤامرة في الآونة الأخيرة لم يكن على سبيل الاستهلاك السوشيالي والإعلامي فقط، بل كان اعتقاداً أفضى بمعتنقيه إلى اعتبار الفيروس مؤامرةً والتعايش مع الأمر على أنه حقيقة لابد من مصارعة من ينفيها ويستخف بطرحها. ومع وجود الاختلافات هذه، وبغض النظر عما إذا كانت توجد مؤامرة أم لا، فإنه يكفي أن تكون الولايات المتحدة موجودةً لنتحدث عن الأمر.

 

بداية النهاية على يد الصين.. موجزٌ للقلق الأمريكي

تتعلق الحكاية ببداية احتضار الهيمنة الأمريكية خلال الأعوام القليلة الماضية، خاصةً مع تفوُّق المنافس الأخطر “بكِّين” واختراقها عصر السيادة الأمريكية الذي بدأ إبان انهيار جدار برلين عام 1989 وانتهى بانهيار العراق عام 2003.

كما هو الحال في معظم حالات الوفاة، هناك عدد من العوامل أنهى مكانة الولايات المتحدة، إذ إنّ هناك قوى هيكلية في النظام العالمي عملت بشكل حتمي ضد أي دولة تراكم لديها هذا القدر من القوة، بحسب وصف مجلة فورين أفايرز، غير أن الحالة الأمريكية اشتملت على إساءة أمريكا لاستخدام هيمنتها ونفوذها وخسارة حلفائها وتشجيع أعدائها عليها من موقعها غير المسبوق.

الآن في ظل إدارة ترامب يبدو أن الدولة العظمى فقدت الاهتمام أو بالأحرى فقدت الإيمان بالأفكار والغايات التي بعثت الحياة في حضورها الدولي لثلاثة أرباع القرن، بحسب المجلة.

تقف الصين اليوم بالمرصاد للهيمنة الأمريكية التي صعدت في أوائل التسعينيات بالتزامن مع صعود القوى التي قوضت تلك الهيمنة في أواخر التسعينيات أيضاً. في تلك الأثناء حين كان العالم يتحدث عن أمريكا كدولة لا غنى عنها وكقوة عظمى وحيدة في العالم، بدأت الصين بالصعود، وأصبح سهلاً اعتبار بكين منافساً خطيراً لواشنطن.

استمرت الصين في الصعود لتصبح القوة العظمى الجديدة في التكتل، وتحولت روسيا من حالة الضعف والسكون التي كانت عليها في أوائل التسعينيات إلى قوة انتقامية لديها القدرة والدهاء لمجابهة الوحش الأمريكي، ودخل العالم مرحلة ما بعد أمريكا في ظل وجود هذين الطرفين الصلبين خارج النظام العالمي الذي أنشأته أمريكا، وصار من المفترض التصدي للنفوذ الأمريكي وسط عالم من القوى الإقليمية والدولية.

هنا كان من المفترض أن يزداد طابع الخواء الذي سيطر على السياسة الخارجية الأمريكية، بفعل إدارة ترامب. فترامب بطبيعته يميل إلى أسلوب تفكير الرئيس الأمريكي الأسبق أندرو جاكسون، من حيث أنه لا يهتم بما يحدث في العالم إجمالاً لكنه يعتقد أن معظم الدول تحاول إلحاق الأذى بالولايات المتحدة.

هذه المقارنة عَقَدها الصحفي والمؤلف الأمريكي فريد زكريا، مقدم برنامج “فريد زكريا جي بي إس” الأسبوعي السابق على محطة CNN، وأكد أن ترامب رجل قومي وشعبوي ويصر على وضع “أمريكا أولاً”، لكن الوصف الذي ينطبق عليه أكثر من أي شيء آخر هو أنه “غادر الساحة الدولية بالكامل”، إذ انسحبت الولايات المتحدة من اتفاقية “الشراكة عبر المحيط الهادئ” ومن المشاركة مع آسيا عموماً في ظل إدارة ترامب.

وكان تركيز ترامب الأكبر على الصين وكان مصطلح “الحرب التجارية” أمراً واقعاً منذ وصوله إلى رأس السلطة بأمريكا، رغم أن الإعلام الأمريكي يركز أكثر على “روسيا” بسبب ادعاءات تدخُّلها في الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2016، إلا أن كبار المسؤولين في الإدارة والبنتاغون يَعتبرون الصين الخطر الأبرز على الهيمنة الأمريكية، إلى حدِّ القلق من أن يتحول الصراع الأمريكي الصيني إلى مواجهة مسلحة.

فالصين من وجهة النظر الأمريكية حالة فريدة من نوعها تتضمن اقتصاداً متنوعاً ضخماً ومتنامياً وقوةً تكنولوجية متسارعة ومشروعاً دولياً يُطلق عليه اسم “الحزام والطريق” تبنيه شركاتها وقواتها العسكرية لتصبح أكثر حداثة بصورة مذهلة. وهي أسباب كافية لمضاهاة أمريكا على الطريقة الصينية.

كل ذلك يحدث في ظل انهيار مكانة العملة العالمية “الدولار”، إذ يضع الدولارُ الاقتصادَ العالمي تحت ضغط متزايد دفعت بحاكم بنك إنجلترا مارك كارنيب – على سبيل المثال – إلى التأكيد على إنهائه كقوة مهيمنة، في الوقت الذي تتخذ فيه دول – كالصين وروسيا – مواقف صارمة على نحو متزايد.

ويُذكر أن جذور الحرب الاقتصادية بين أمريكا والصين تعود إلى تاريخ إعلان ترامب في 22 مارس/آذار 2018، عن وجود نية لفرض رسوم جمركية تبلغ 50 مليار دولار أمريكي على السلع الصينية بموجب المادة 301 من قانون التجارة لعام 1974، وكرد انتقامي من جانب الحكومة الصينية، فُرضت رسوم جمركية على أكثر من 128 منتجاً أمريكياً أشهرها فول الصويا.

 

عودةً إلى كورونا.. اجتياح أمريكا وفقدان السيطرة

تعيش أمريكا أياماً كارثية في الوقت الراهن، إذ أصبحت أكثر دول العالم إصابةً بفيروس كورونا المستجد، وأثناء كتابة هذه السطور اقترب عدد حالات الإصابة المؤكدة فيها من نصف مليون إصابة وتجاوز عدد الوفيات 18.345 حالة وفاة بالفيروس.

هذا الاجتياح الكبير دفع بالبعض إلى تكذيب ما يقال عن وجود مؤامرة أمريكية، إلا أن التقارير تشير إلى أن واشنطن فقدت السيطرة على الفيروس الذي طورته، في حادثةٍ تُحيل إلى أخرى مشابهة لها، حينما ظهر فيروس “السيدا” – أو ما يُعرف بالإيدز – في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، وظل حبيس الغموض ومصدر قلق البشرية لكونه ينتقل من شخص لآخر عبر الدم كما يحدث في العلاقات الجنسية وفي استخدام الأدوات غير المعقمة.

كان ظهوره المفاجئ – تماماً كفيروس كورونا – محلَّ تساؤل البشر لفترة طويلة، حتى خرجت إلى الوجود وثيقة سرية أُخذت من أرشيف وزارة الدفاع الأمريكية ونشرها موقع غلوبال بريس، وتشير الوثيقة بأن فيروس السيدا أو ما يُعرف بـ”VIH” صُنع من طرف الإدارة الأمريكية نهاية السبعينيات لأغراض متعلقة بالهيمنة على العالم.

الوثيقة السرية تحدثت عن برنامج يُسمى “فيزيبيليتي” تم الانتهاء منه سنة 1975، وهو نفس التاريخ الذي بدأ الحديث فيه عن فيروس السيدا. في ذلك الوقت قامت الإدارة الأمريكية بدمج هذا الفيروس في ملايين اللقاحات التي استخدمت لعلاج “داء الجدري”، وقد حُقِنَ أكثر من 100 مليون إفريقي بهذه اللقاحات الفاسدة في العام 1977، وفي عملية أخرى سُميت بـ”تروجان هورس” عام 1978، حُقِنَ قرابة 2000 مِثلي الجنس من العرق الأبيض، بلقاح ضد مرض التهاب الكبد “ب”، يحتوي هو الآخر على فيروس السيدا، وقد تمت عملية دمج الفيروس بمركز الأمراض المعدية و تحاقن الدم بنيويورك.

كان هدف تطوير فيروس السيدا “أمريكياً” هو أن يكون سلاحاً سياسياً وعرقياً لاستخدامه ضد شعوب أخرى، وأن يساهم في تقليص عدد سكان الأرض. قبل ذلك كان جورج بوش قد قال عام 1969، إن الولايات المتحدة بحاجة إلى طرق فعالة من أجل التحكم في التطور الديموغرافي (السكاني) الهائل الذي يعرفه العالم مقارنة بالأزمة الغذائية والاقتصادية في مجموعة من المناطق. وفي ذلك العام كانت وزارة الدفاع الأمريكية قد طلبت قرابة 10 مليون دولار من أجل تمويل البحث عن طريقة بيولوجية لتصنيع مادة غير موجودة في الطبيعة، تساهم في تحقيق التوازن على سطح الأرض، ولا يمكن بأي حال من الأحوال تطوير مناعة طبيعية ضدها، حسب الوثائق التاريخية.

البرنامج الذي أعلنت عنه المنظمة الدولية للصحة ابتداءً من عام 1972 بتلقيح ملايين الأفارقة ضد مرض الجدري، كان فرصة لوزارة الدفاع لدمج هذا الفيروس والتخلص من كثير من أصحاب البشرة السوداء الذين كانوا يتكاثرون بسرعة كبيرة، وفي وقت لاحق، قامت الوزارة بإضافة هذا الفيروس إلى اللقاح الموجه لمرض التهاب الكبد “ب”، تحت حماية وزارة العدل الأمريكية بواشنطن، التي جعلت من الدراسات المتعلقة بطريقة دمج الفيروس مع اللقاح، أمراً بالغ السرية.

ظهر فيروس كورونا وانقلب السحر على الساحر الأمريكي، وفي خضم المحاولات الدولية لإنتاج علاج “مصل مضاد” للفيروس، أراد ترامب احتكار أي علاج، فعرض على الشركة الألمانية كيور فاك، مبلغاً باهظاً مقابل قدومها إلى الولايات المتحدة وجعْل نتائج اختباراتها الطبية المتقدمة التي توشك على إنتاج مصل، حصرياً لأمريكا فقط، الأمر الذي يحيل إلى نظرية المؤامرة بحسب التقارير.

وهو ما اعترض عليه الألمان بشدة على لسان وزير الداخلية هورست زيهوفر، الذي أكَّد صحة هذه الخطوة وقال إن ألمانيا ليست للبيع، وإن بلاده تريد إنتاج هذا اللقاح المضاد “ليكون للعالم كله”، مؤكداً أن الشركة ستبقى على الأرض الألمانية.

وفي ذلك يتحدث الكاتب والمحلل السياسي عبدالباري عطوان بالقول: “عندما نقول إنّ عرض ترامب هذا يُؤكِّد نظريّة المُؤامرة، فإننا نعني أنَّ حصره لهذا اللّقاح في يَد أمريكا يعني أنها ستكون المتحكم به، والدول أو الشعوب التي يمكن أن يُصدَّر إليها، أي الشعوب والدول الصديقة للولايات المتحدة، أو العميلة لها تحديداً، أما تلك المُعادية فلن تحصل عليها، وستكون شعوبها مستهدفة بفيروس الكورونا مُستقبلاً”.

يواصل عطوان: “نحمد الله أن أزمة الكورونا الحالية أثبتت أن الصين أكثر تقدُّماً من الولايات المتحدة ودول غربية عديدة في هذا المضمار، بالنظر إلى النجاحات الكبرى التي حققتها إدارياً وطبياً في التصدي لها وتطويق أضرارها في زمنٍ قياسي، بينما ما زالت الأنظمة والمُؤسسات الصحية الغربية تتخبط، وحتى لو عاد الفيروس إليها فإنها ستكون مستعدة لمُواجهته والقضاء عليه بحُكم خبرتها التي أثبتت فاعليتها”.

 

 

 

 

(60)

الأقسام: المراسل السياسي,تقارير المراسل